Wednesday, July 27, 2016
Saturday, July 23, 2016
مسرحية :الأول من يناير 2015
مسرحية
الأول من يناير 2050
الفصل الأول: نهاية اللامشاعر
بداية
المشهد الأول
رعد (يستيقظ وينظر إلى ساعة الحائط
والتي تشير إلى الساعة 2:00
ليلاً، يتذمر ويحاول العودة إلى النوم).
صوت رعد: لدي الكثير من الأعمال
غداً، كيف لي أن أعمل ولم أخذ كفايتي من النوم حتى الآن..
صوت رعد: إنها الساعة الثالثة فجراً..
سأدع القلق وأتوقف عن التفكير في أي شيء وسأجبر نفسي على النوم.
صوت رعد: لدي اجتماع مع مصممين
برنامج الخيال الواقعي غداً.. كم يتعبني هذا الجانب في عملي، وسأجبر على الاجتماع
بهم وأنا لم أنم جيداً! إن هذا لهو العذاب بعينه.
صوت رعد (الكثير من الأفكار المشوشة
والمتداخلة مسجّلة مسبقاً)
رعد: الساعة الرابعة (بتعجب وغضب)..
لا بد أن أفعل شيئاً..
رعد (يقوم من فراشه ويدور في الغرفة،
يلبس معطفة فوق ثياب النوم ويخرج من الشقة)
رعد (يمشي إلى حديقة الحي ويجلس على
إحدى المقاعد)
صوت طفل (أنين خافت)
رعد (يتلفت يمنة ويسرة بعد أن استمع
للصوت الغريب)
رعد (يقوم من المقعد ليبحث عن مصدر
الصوت)
رعد: ما هذا الصوت.. أهذا طفل ٌيأنّ!
رعد (يمشي للطرف الآخر من المسرح
ليرى صفيحة كبيرة ويعلو الصوت باقترابه منها)
رعد: عفواً، هل أنت بخير؟
الطفل (صوت أنين مستمر)
رعد (يقوم برفع الصفيحة بحذر شديد)
صوت رعد: أخشى أن يكون كلباً
فيهاجمني..
رعد (ينظر للطفل تحت الصفيحة)
رعد: يا إلهي.. هل أنت بخير! أجبني..
ما الذي يوجعك؟
الطفل (أنين مستمر وبكاء)
رعد (يقوم بإلقاء معطفه عليه ويجلس
بجانبه ويحتضنه ويقوم بالاتصال بالشرطة للإبلاغ)
(صوت الاتصال)
عمليات الشرطة: السلام عليكم معك
العمليات، كيف لي.. (يقاطعه رعد)
رعد: أنا في حي الريحانة شرق المدينة
وبين يدي طفل يحتاج إلى إسعاف فوراً.
عمليات الشرطة: من أنت وما علاقتك
بالطفل.
رعد: أنا أسكن في هذا الحي ولكن لا
أعرف من هذا الطفل.. رجاءً أسرعوا فهو لا يتجاوب.
عمليات الشرطة: الإسعاف ودورية
الشرطة في طريقهم إليكم يا سيدي، هل تخبرني ما اسمك؟
رعد: اسمي رعد.
الطفل: سأموت ولن يفتقدني أحد (بصوت
خافت)..
رعد: اقترب بأذنه من فم الطفل ليسمع
ما يقول..
الطفل: سأموت ولن يفتقدني أحد (بصوت خافت)..
رعد: (يمسح دموع الطفل) لن تموت.. لن
تموت.. ستصل الإسعاف الآن..
صوت رعد: استعجلوا قبل فوات الأوان..
رباه اسألك عنايتك ولطفك..
صوت الشرطة والإسعاف (يأتي من بعيد)
الطفل: شكراً لك ..
رعد: على ماذا ؟
الطفل: هذه أول مرة يحضتني فيها شخصٌ
ما ..
رعد (يبكي بحرقة)
الطفل (ينتفض قليلاً ثم يموت)
يصل المسعفون ورعد مصدوم من وفاة
الطفل.. يستخرجونه من بين يديه ليؤكدون خبر الوفاة.
رعد (يتوقف عن البكاء) يتردد في ذهنه
صوت الطفل وهو يقول (لن يفتقدني أحد)
المسعفون: آسفون على ما جرى لقد
عملنا ما بوسعنا ولكن لم نستطع إنقاذه (الصوت غير واضح)
رعد (مشوش الذهن)
يذهب المسعفون
تظلم خشبة المسرح ويسلط الضوء على
رعد وهو يجلس في مكانه بلا حراك (صوت ريح).
نهاية
المشهد الأول
بداية المشهد الثاني
رعد في
غرفته يستعد للذهاب للعمل ببطىء
صوت رعد: هل
هذا حلم؟... لم أشعر بهذا الخوف والحزن من قبل! ... كيف يمكنني الذهاب للعمل بعد
الذي جرى!
رعد: لا
أستطيع ... يجب أن أذهب للعمل..
صوت رعد: كم
هي الحياة قاسية؟ مات طفلٌ بريء بسببي وبسبب كل من في الحيّ!
رعد: هذا
خطأ والديه.
صوت رعد:
ماذا لو كان يتيماً؟
رعد (يمنع
نفسه من البكاء)
رعد: لا
يمكن أن أعيده للحياة فلما الحزن !
صوت رعد: هل
تريد أن تموت دون أن يفتقدك أحد ؟
رعد (يقع
على ركبتيه ليجهش بالبكاء)
صوت رعد:
لماذا أنا وحيد.. لا أريد أن تنتهي حياتي هكذا.. أحب أمي وأحب أبي وأخي.. مضت اثنا
عشرة سنة ولم أتواصل معهم أو مع أي أحد.
رعد (لا زال
يبكي)
صوت رعد: كيف
أشرح لهم.. لماذا يسامحونني بعد كل الجفاء والقسوة التي عاملتهم بها!
رعد (يقف
ببطىء ويمسح دموعه)
رعد: لن
أذهب إلى العمل.. سأذهب لأكفر عن أخطائي.
صوت رعد:
يجب أن أتصل برايا وأطلب منها أن تعلم المسؤول أني لن أحضر اليوم.
(يرن
الهاتف)
رايا:
السلام عليكم يا رعد
رعد: وعليكم
السلام، أخبري عدنان أني لن أحضر اليوم.
رايا: (بصوت
قلق) هل أنت بخير؟ هل تعاني من شيء؟
رعد: (بصوت
غاضب) لا لا.. لدي عمل ضروري عليّ أن أنجزه.
رايا: هل
أنت متأكد فأنا قلقة عليك.
رعد: لا
داعي للقلق.. مع السلامة.
يهم رعد
بالخروج من الشقة..
نهاية المشهد الثاني
الفصل الثاني: مواجهة الواقع
بداية المشهد الثالث
رعد يطرق
باب منزل والديه
تفتح الباب
زوجة أخيه مَدْيَنْ في ذهول..
مريم: رعد..
أهلاً وسهلاً..
رعد: السلام
عليكم.. من أنتي؟
مريم: أنا
زوجة أخيك مَدْيَنْ.
رعد: أنا آسف
جداً.. هل أبي وأمي هنا؟
مريم: نعم
تفضل.
يدخل رعد
ليجد أباه على الكرسي الهزاز وأمه بجانبه.
رعد: السلام
عليكم يا أبي.. السلام عليكم يا أمي.
علياء:
وعليكم السلام يا بني.
فيصل: من
هذا؟
رعد: أنا
رعد يا أبي.
فيصل: أخرج
من بيتي فأنا لا أعرفك.
رعد (يهمّ
بالخروج غاضباً)
علياء: تمهل
يا رعد.
رعد: وهل
هذا الاستقبال يليق بعد كل هذه السنين؟
علياء: لا
تلقِ اللوم عليه.. فهو مريض بآل زهايمر وينسى أموراً كثيرة.
رعد: أبي
مريض!
علياء: نعم
يا بني، فلا تستغرب إن لم يتذكرك.
مَدْيَنْ
(يدخل من الطرف الآخر من المسرح)
مَدْيَنْ:
أيها العاق (بصراخ يملئ المنزل)
رعد: السلام
عليك يا مَدْيَنْ.
مَدْيَنْ
(يركض باتجاه رعد فيلكمه)
علياء: توقف
يا مَدْيَنْ وأحترم أخاك فإنه أكبر منك.
مَدْيَنْ:
يا أمي..
تهرب مريم
والأطفال خارج خشبة المسرح.
فيصل: يحاول
الوقوف ولكنه لا يستطيع وينطق بكلامٍ غير مفهوم.
رعد: وددت
أن أصلح ما أفسدته بجفائي وقساوة قلبي.
مَدْيَنْ
يرفض النظر إليه.
علياء تقوم
بوضع يديها على وجهه.
علياء: يا
بني، إنما الأعمال بالنيات، وليشهد الله أن حبي لك يزداد كل يوم عن اليوم الذي
سبقه.
رعد: أنا
أسف يا أمي.. اغفري لي..
علياء: غفر
الله لك يا ولدي.
رعد (يهم
بالخروج من المنزل)
رعد (يتوقف
عند الباب ويستدير)
رعد: يا
مَدْيَنْ، أنا اسف وليتني أعلم كيف لي أن أغير ما جرى.. ولكن هذا ما يمكنني فعله
الآن.. الاعتذار
مَدْيَنْ
يرفض الإجابة عليه.
يخرج رعد من
الباب.
نهاية المشهد الثالث
بداية المشهد الرابع
يدخل رعد
إلى مكتبه
وتأتي رايا
للحديث معه
رايا:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
رعد: وعليكم
السلام.
رايا: ما
الذي أصاب وجهك (بنبرة خوف)
رعد: لا
شيء.. لا شيء..
رايا: بلى،
إنها كدمة.. قل لي ما الأمر (تجلس على كرسي الضيف)
رعد:
(منفعلاً يقوم ويقول) دعيني وشأني.
رايا (تخرج
من مكتبه وتخرج من خشبة المسرح)
صوت رعد: ماذا
عساي أن أفعل لأصلح ما فعلت.. ماذا عساي أن أفعل.
يخرج رعد
ليبحث عن رايا
رعد:
(ينادي) رايا.. رايا..
رعد (يذهب
إلى أحد الزملاء ويسأله عنها ثم يعود إلى المكتب)
صوت رعد:
مضت عليّ السنين وأنا مؤمنٌ بأني أستطيع العيش وحدي.. وأن الانترنت يغنيني عن
الجميع.. كم كنت أحمقاً عندما فكرت بذلك..
رعد: نعم
خالد.. صديق الطفولة.. يجب أن أتصل به الآن.
(يرن
الهاتف)
رعد: السلام
عليكم، هل يمكنني التحدث إلى خالد؟
الأم: عفواً
يا بني ولكن خالداً قد توفى منذ ثمانية أعوام، فمن أنت؟
رعد: أنا..
أنا رعد..
الأم: لا تتصل
بنا أبداً إذا.. وتقطع الاتصال..
صوت رعد:
مــــــــات؟ هو أيضاً؟ كيف؟
رايا (تمشي
إلى مكتبه بعد أن أخبرها زميلها أن رعداً سأل عنها)
رايا: أتريد
شيئاً مني؟
رعد (ذاهنٌ
يتحدث إلى نفسه بصوت خافت جداً)
رايا: ما
بالك اليوم يا رعد..
رعد (يدمع لا
إرادياً)
رايا (تسرع
لتجلب كوباً من الماء)
رايا: اشرب
الماء يا رعد.
رعد (يمسك
كوب الماء ويشرب القليل)
رايا: ما
الذي حصل، أخبرني فقد أخفتني اليوم بما فيه الكفاية..
رعد: أنا
رجلٌ سيء..
رايا: لا
تقل ذلك عن نفسك فأنت طيب القلب رغماً عن تصرفاتك التي تدل على عكس ذلك أحياناً.
رعد: صدقيني..
أنا رجلٌ سيء..
رايا: وضح
لي إذاً..
رعد: منذ
متى ونحن نعمل معاً؟
رايا: منذ
ست سنوات تقريباً.
رعد: وكم
مرة تذكرين أني شكرتك فيها على خدمتك أو مساعدتك؟
رايا: لا
أتذكر أنك شكرتني شخصياً وإنما كنت تشكرنا كزملاء أحياناً.
رعد: هل لي أصدقاء
مقربين من الزملاء؟
رايا: ليس
على حد علمي فأنت تفضل عدم الاختلاط بنا.
رعد: هل تعرفين
أي شيء عن أسرتي أو حياتي؟
رايا: لا
أعرف عنك إلا ما تضعه من صور ومقاطع فيديو على حسابات التواصل الاجتماعي.. هل تصدق
ذلك، لم أرَ أو أسمع أي أحد غيرك في ما تشاركنا إياه على حساباتك.
رعد: ولا
زلتي تؤمنين أني رجل طيب القلب بعد كل هذا؟
رايا: أنا
مؤمنة أنك طيب القلب.. ولكن لم أفهم لماذا أنت وحيدٌ لهذه الدرجة.. وما علاقة هذا
كله بالكدمة التي على وجهك؟
رعد: آآآآهٍ
يا رايا لو تعلمين.. لا أظن أني أستطيع الحديث بهذا الأمر.
رايا: هل
تثق بي؟
رعد: لا
أعرف كيف تكون الثقة! أفهم معناها ولا أشعر بها..
رايا: يمكنك
أن تثق بي وتشاركني.
رعد: سأحاول..
منذ طفولتي وأنا قليل الاتصال بالعالم من حولي.. كنت منهمكاً في متابعة المقاطع
المضحكة والمشاهير وأموراً متنوعة دينية ورياضية أحياناً.. وكبرت وأنا متصل بالإنترنت
بشكل لا يصدق.. أعشق متابعة الأفلام والمسلسلات وسماع الأغاني.. حتى لم يعد لدي أي
وقت لتكوين صداقات طويلة مع من كان حولي..
رايا: هل
يعقل ذلك؟
رعد: صدقيني،
لم أعي ذلك سوى فجر اليوم.. (يبدأ بإظهار علامات التعب)
رايا: كيف؟
ما الذي حصل؟
رعد: م..
مات طفل بين يدي.. كان يقول "سأموت ولن يفتقدني أحد" وكان لقوله دويّ
كدت أني أفقد الوعي بسببه
رايا: مات!
كيف مات؟
رعد: لا
أدري.. نزلت من شقتي بعد أن عجزت من النوم ولقيته في الحديقة تحت صفيحة وهو يأنّ،
أبلغت الشرطة ليأتون وينقذونه.. دون جدوى..
رايا: يا
إلهي (تنهار بالبكاء).. هذا فظيع..
رعد: (وهو
حزين جداً) لم أخف في حياتي ولم أشعر بالحزن الذي شعرت به تجاه شخصٍ غيري إلا
اليوم..
رايا (لا
زالت تبكي)
رعد: يا رايا،
شكرني الطفل لأني احتضنته قبل أن يموت.. وقال "هذه أول مرة يحضتنني فيها شخصٌ
في حياتي"! وتذكرت ذلك الدفئ الذي أعطاني أياه والديّ عندما كنت في مثل سنه..
لم أستطع الحراك.. شعرت بأني أشعر من جديد.. رغم برودة الليل.. وهول الصدمة.. لم
أستطع أن أمنعه من الموت رغم أنه أهدى إلي الحياة.
تذكرت كيف
جفوت أبي وأغضبته لأنه أرادني أن أدخل الكلية العسكرية وهجرتهم وسافرت لإكمال
دراستي في ألمانيا. وكيف أني لم أشكر أمي يوماً على ما تصنعه لأجلي بل جازيتها
بالقطيعة.. واحتقرت أخي الصغير لأنه لم يكن يسعى ليتميز بشخصيته بل عاش مقلداً
لأبي في كل شيء!
رايا: وهل أخبرت
أحداً غيري بكل هذا من قبل؟
رعد: لم
أخبر أحداً قط.. لأني كنت منعزلاً عن العالم كله.
رايا: كيف استطعت
أن تحيا رغم كل هذا وتحقق هذا النجاح العملي؟
رعد: لم أكن
أعلم أني مت بسبب قناعتي.. قناعتي الحمقاء التي حرمتني حتى من خالد صديق طفولتي..
حتى أنني لم أعلم بوفاته منذ ست ثماني سنوات إلا قبل دقائق..
رايا: عندما
أتيت إليك قبل قليل؟
رعد: نعم..
(يقف ليمشي ويجلس بالكرسي المقابل لرايا)
رعد: لم
أتواصل مع أسرتي منذ قرابة اثنا عشر عاماً.. وقررت الذهاب في الصباح للمنزل
ومصالحتهم.. لأجد أبي مريضاً بآل زهايمر حيث لم يتعرف عليّ بل وطردني من المنزل..
ولكمني أخي الأصغر مَدْيَنْ على وجهي على مرأى والديّ وزوجته وابنتيه.
رايا: توقف
قليلاً يا رعد.. لا أصدق.. يومك كان فظيعاً جداً.. دعنا نذهب للمستشفى وسأذهب الآن
لأخبر عدنان بأنك تحتاج إلى إجازة لعدة أيام..
رعد:(يتنهد
بقوة) يا رايا.. الحياة ذكريات لا قيمة لها إن لم نصنعها مع من نحب.. عشت حياة
بدون حياة.. ولن أكرر هذا الخطأ يوماً آخر.
رعد (يقوم
بالخروج من المكتب)
النهاية...
بقلم:أ. موزة المنصوري