مقدمة:
حدثت مشاجرة كلامية بين إمام مسجد و أحد
المصلين من كبار السن , ذلك أن الإمام لم يكن كسابقه الذي تعود عليه الناس , يرفع
صوته عند القيام , و يتوسط عند الانتقال بين الأركان , و يخفض عند الجلوس للتشهد ,
فلما أراد هذا الإمام أن يجلس للتشهد قام هذا الرجل مما سبب له الحرج الشديد ؛ ذلك
لأن نغمة التكبير عند الإمام الجديد متساوية , و شبيه بهذا ما حكته امرأة تصلي في
مسجد النساء لما تغير الإمام , قالت : الإمام الأول أفضل , نعرف من صوته متى سيركع
, و متى سيقوم , و متى سيجلس , و هذا الأمر نعرفه جيداً عندما نستمع إلى قراء
القرآن الكريم في الإذاعة , نعرف إن كان في أول التلاوة , أم في وسطها , أم على
وشك أن ينتهي من التلاوة .
هذا الذي سقنا إليه إنما
هو التنغيم , و إن كان آباؤنا , و أمهاتنا لا يعرفون ذلك الاسم , و لكنهم يطبقونه
في حياتهم .
إن
ظاهرة التنغيم قد أُفردت لها أبحاثٌ خاصّةً بها , و شغلت في علم اللسانيات حيّزاً
دراسيّاً مستقلاً ، ولم تُكتشف فجأةً ، بل كان هناك إشارات بحثية لها عند الأقدمين
من علماء العربيّة , ثم تطور هذا العلم كثيراً خاصة في الدول التي لها باع في مجال
التكنولوجيا ؛ إذ الأجهزة الحديثة المتطورة فيها كانت خير عون للعلماء في القيام
بالأبحاث والدراسات المتصلة بعلوم اللغة المختلفة .
وتأتي أهمية دراسة التنغيم في كونه يوضح
للسامع سياق الجملة، أكان استفهاماً أم تعجباً، أم غير ذلك .
وسندرس في هذا البحث موضوع التنغيم في تراثنا
العربي من أجل الوقوف على تناول أجدادنا العرب هذا الجانب، متوخين من وراء ذلك
معرفة كيفيّة تناولهم له، ومعرفة المصطلحات التي استخدموها في هذا الجانب، ومعرفة
ما إذا كان علماؤنا قد ربطوا بين هذا الجانب وبين الدلالة.
تعريف
التنغيم :
التنغيمُ هو العنصرَ البارز الذي يجلّي النص ويوضحه .( 1 )
و هو مصطلح يدلّ على ارتفاع الصوت وانخفاضه في الكلام، ويسمّى
أيضاً موسيقى الكلام ( 2 )
، بل هو من الظواهر الصوتية التي تساعد في تحديد المعنى، لأنّ
"تغير النغمة قد يتبعه تغير في الدلالة في كثير من اللغات ( 3 )
أهمية الجانب الصوتي
في تحديد معنى الكلام :
وملاحظة الجانب الصوتي مهم
جداً، فلكي يحدّد الشخص معنى الحدث الكلامي، لابد أن يقوم بملاحظة الجانب الصوتي
الذي يؤثر على المعنى مثل التنغيم .
ولعلّ ما يردده الإمام في الصلاة من تكراره
تركيب "الله أكبر" مثل على ذلك، فالصوت هو الذي يتحكم بالمأمومين في
الصلاة، فهو حين يرفع من السجود الثاني مثلاً يكون المأموم أمام حالتين:
1- إن رفع الإمام صوته
بنغمة صوتية صاعدة، عرف مَن خَلْفه أنه ينبههم إلى القيام (باعتبار هنا أن المأموم
يتابع حركات الإمام بصرف النظر عن الخشوع أو عدمه).
2- وإن هو جعل الصوت على
وتيرة واحدة وكانت النغمة مستوية، عرف المأمومون بذلك أن الإمام يريد الجلوس
للتشهد.
فالتنغيم هو الذي يحكم
ذلك، إذْ كنتَ تجد في بعض الأحيان الإمامَ ينتصب قائماً وبعضُ المصلين جلوس،
والعكس كذلك صحيح، وكل ذلك نتيجة خطأ الإمام في النغمة الموسيقية الصادرة عنه.( 4 )
علاقه بالتّنغيم بالنبر :
التنغيم"
صلته بالنبر وثيقة، فلا يحدث تنغيم دون نبر للمقطع الأخير من الجملة، أي في الكلمة
التي تقع في آخر الجملة ( 5 ) وهما من الوحدات الصوتية التي "لها وظيفة
معينة في
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) انظر:
سمير ستيتية: منهج التحليل اللغوي في النقد الأدبي ، مجلة آداب المستنصرية، الجامعة
المستنصرية , العراق , العدد 16، 1988م ،
ص 239 .
( 2 ) كمال
بشر: علم الأصوات، دار المعارف، القاهرة - مصر، 1986، ص161 .
( 3 )
إبراهيم أنيس: دلالة الألفاظ، مكتبة الأنجلو المصرية, الفاهرة – مصر ، ط5، 1984،
ص47.
( 4 ) يوسف
عبد الله الجوارنة , التَّنْغيم ودلالته في العربيَّة , مجلة الموقف الأدبي , العدد 369 كانون الثاني
2002م , ص 41 .
( 5 ) عبد الكريم مجاهد: الدلالة اللغوية عند
العرب، دار الضياء ، د. ت ،ص 177
التركيب الصوتي، لأنها جزء أساسي منه، فهي ليست ظواهر تطريزية
وإنما فونيمات أساسية أو أولية .
( 6 )
أغراض التنغيم :
للتنغيم أغراض كثيرة منها
:
1ـ الموافقة كما في قول الشاعر :
قالوا:
صغيرٌ. قلت: إنّ. وربما كانت به
الحسراتُ غيرَ صغار
فـ(إنّ)
بمعنى (نعم) وتدل على الموافقة. ولو قال الشاعر: لا، لانصرفت الدلالة إلى الرفض
والانزعاج.
2- الزجر كما في قولك:
لا إنسان يشرب الخمر: تنطق (لا) بنغمة صوتية صاعدة يفهم منها النهي والكف عن الفعل
( 7 )
التنغيم في التّراث
العربيّ :
مسألة التنغيم في التّراث العربيّ أثارت خلافاً كبيراً بين
الدّارسين المعاصرين فمنهم من ذهب إلى أنّ
العرب لم يتناولوا هذه الظاهرة ولم يدرسوها ولم يلتفتوا إليها ، و على رأس هؤلاء المستشرق
( برجشتراسر ) الّذي نفى وجود هذه الظاهرة في تراثنا، يقصر نفيه، في تناول هذه
الظاهرة في التراث، على النحويين والمقرئين القدماء دون أهل التجويد والأداء حيث
يقول: "إنّنا نعجب كلَّ العجب من أنّ النحويين والمقرئين القدماء لم يذكروا
النغمَة ولا الضغط أصلاً، غير أنّ أهل الأداء والتجويد رمزوا إلى ما يشبه النغمة
في إجابة مسألة كيف حال العربية الفصحى في هذا الشأن.( 8 )
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 6 ) عبد الكريم مجاهد: الدلالة الصوتية
والصرفية عند ابن جني، مجلة الفكر العربي، بيروت، ط26، 1982، ص70
( 7 ) يوسف عبد الله الجوارنة , التَّنْغيم ودلالته في العربيَّة - مجلة الموقف الأدبي , مجلة أدبية شهرية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب
بدمشق - العدد 369 كانون الثاني 2002م , ص 43 .
( 8 ) برجشتراسر:
التطّور النّحوي للغة العربية، تحقيق د. رمضان عبد التواب، مكتبة الخانجي ،
القاهرة- مصر ، ط 2 , 1929م، ص 46-47.
ومنهم الأستاذ الدكتور
تمّام حسّان الذي استخدم أسلوب النفي الجازم ، عندما ذهب إلى القول : إنّ العربيّة
الفصحى لم تعرف هذه الدراسة في قديمها، وإنّ القدماء لم يسجلوا لنا شيئاً عن هذه
الظاهرة ( 9 )
و منهم الأستاذ محمد الأنطاكي الذي ينفي إشارة النحاة في كتبهم إلى
هذا الجانب , فنراه يقول: إنّ قواعد التنغيم في العربية قديماً مجهولة تماماً،
لأنّ النحاة لم يشيروا إلى شيء من ذلك في كتبهم.( 10 ).
و هذا الكلام نتفق معه في
جزء , و نختلف في آخر ,نتفق معه في أن النحاة إذا كانوا لم يشيروا إلى التنغيم في
كتبهم ، فإن عدم إشارة كتبهم إلى هذه الظاهرة، لا يعني أنّ الحديث عنها غير موجود
في كتب التراث الأخرى ، خاصة تلك المتعلقة بالدرس الصوتي القرآني , و نتفّق معه في
مسألة أن علماءَنا لم يحددوا قواعد محددةٍ ضمن بحث واحد يجمع قواعد تنغيم
العربيّة.
والقسم الثاني من الآراء ترى أنّ القدماء أدركوا هذا الجانب ، إذ
توجد إشارات في كتبهم توحي إلى ذلك ، وإنْ لم يكن لها قواعد محددة ، ولعّل من أشهر
هؤلاء الدكتور إبراهيم أنيس الذي يرى أنّ التنغيم هو موسيقى الكلام ، فيقول : لأنّ
الإنسان حين ينطق بجميع الأصوات، فالأصوات التي يتكوّن منها المقطع الواحد قد
يختلف في درجة الّصوت، وكذلك الكلمات "وتختلف معاني الكلمات تبعاً لاختلاف
درجة الصّوت عند النّطق بالكلمة ( 11
)
و منهم الدكتور أحمد كشك الذي خصص في كتابه "من وظائف الصوت
اللغوي" فصلاً لدراسة التنغيم على
أنّه ظاهرة نحوية يقول فيه: "وقدامى العرب، وإنْ لم يربطوا ظاهرة التنغيم بتفسير
قضاياهم اللغويّة، وهم وإنْ تاه عنهم تسجيل قواعد لها، فإنّ ذلك لم يمنع من وجود
خطرات ذكيّة لمّاحة تعطي إحساساً عميقاً بأنّ رفض هذه الظاهرة تماماً أمرٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
( 9 ) انظر: د. تمام حسان :
مناهج البحث في اللغة، دار الثقافة ، الدار البيضاء ، المغرب 1979: ص 197-198.
( 10 ) الأنطاكي، محمد، دراسات في فقه اللغة العربية، دار الشرق العربي،
بيروت، ص197.
( 11 ) د . إبراهيم أنيس ،
الأصوات اللغوية، دار النهضة العربية ، القاهرة، 1961 م ، ص 124.
غير وارد، وإن لم يكن لها حاكم من القواعد" و يقول : وأرى أنّ
اليزيدي تقصّد أنْ يوقع الكسائي بالخطأ فقرأ البيت للكسائي بنغمة توحي أن به
لحناً، وعندما أوّل هو معنى البيت قرأ البيت بتنغيميه الصحيح بوقف عند جملة ( لا
يكون )، والابتداء بجملة ( المهر مهر ) ؛ وذلك من باب المنافسة بينه وبين الكسائي.
(12).
و القصة المذكورة يرويها
السيوطي فيقول : حدّثنا المرزباني عن إبراهيم بن إسماعيل الكاتب، قال: سأل
اليزيديّ الكسائي بحضرة الرشيد ، فقال : انظر أفي هذا الشعر عيب ؟ وأنشده:
لا يكــون العيـرُ
مهـراً لا يكــون المهــرُ مهــرُ
فقال الكسائي: قد أقوى
الشاعر ، فقال له اليزيدي : انظر فيه ، فقال: أقوى , لابدّ أن ينصب " المهر "
الثاني على أنه خبر لـ "يكون"، فضرب اليزيديّ بقلنسوته الأرض ، وقال :
أنا أبو محمد .. الشعر صواب ، إنّما ابتدأ فقال: " المهر مهر " ( 13 ) لم
يفطن الكسائي لما رآه اليزيديّ الذي استخدم شيئاً جديداً في تفسير البيت، وهو
" الوقف " أو قل التنغيم الذي جعل جملة ( لا يكون ) التي ضغط عليها حين
النّطق، وأخذت مطّا صوتياً، لم يعهد لها بعيداً عن هذا السياق ـ لا
صلة بينها وبين ما بعدها، فهي توكيد لما قبلها من حديث.
و اليزيديّ أراد أن يوقع
الكسائي بالخطأ ، فقرأ البيت للكسائي بنغمة توحي أن به لحناً ، وعندما أوّل معنى
البيت ، قرأ البيت بتنغيمه الصحيح ( بوقف ) عند جملة ( لا يكون )، والابتداء
بجملة ( المهر مهر )، وذلك من باب المنافسة بينه وبين الكسائي.
ثم يعرض د. كشك أمثلة تراثيّة تؤيّد ما ذهب إليه، و هذه أنّ الدراسة
تعدّ من
الدراسات الرائدة في إطار دراسة التنغيم .
ــــــــــــــــــــــــ
( 12 )
أحمد كشك ، من وظائف الصوت اللغوي، ط2، القاهرة، 1997، ص 52 وما بعدها.
( 13 ) السيوطي
, عبد الرحمن بن أبي بكر ، الأشباه والنظائر، تحقيق إبراهيم محمد عبد الله ،
منشورات مجمع اللغة العربية، 1986م، 3/245 .
ويذهب
الأستاذ عبد الكريم مجاهد إلى أنّ ابن جنّي قد أدرك هذا الجانب , ويقول :
"بذلك يظهر فضل ابن جنّي بجلاء ووضوح، ويثبت أنّه قد طرق باب هذه الموضوعات
التي تعتبر من منجزات علم اللغة الحديث، وبذلك تحفظ له أصالته ومساهمته"( 14 ).
أما الدكتور رمضان عبد التّواب، بقوله: إنّ القدماء أشاروا إلى بعض
آثار التنغيم، ولم يعرفوا كنهه، غير أنّنا لا نعدم عند بعضهم الإشارة إلى بعض
آثاره في الكلام للدّلالة على المعاني المختلفة (15).
وإلى مثل هذا الرأي ذهب الدكتور عبد السّلام المسّدي الذي يقول:
إنّ التنغيم في العربية له وظائف نحوّية، لأنّه يفرق بين أسلوب وآخر من أساليب
التركيب، ومع هذا فإنه لم يحظَ لدى أجدادنا ببحث مستفيض، أو تطبيق مستند إلى قواعد
محددة(16).
و
كذلك الدكتور رضوان القضماني في كتابه مدخل إلى اللسانيات , منشورات جامعة البعث 1988 , ص 108, و الدكتور سيد بحراوي في كتابه الإيقاع في شعر السياب : نواره
للترجمة ، القاهرة 1996,
ص 26, والأستاذ سعيد الأفغاني في كتابه في
أصول النحو، مطبوعات جامعة البعث 1993، ص 93-
94، والدكتور غازي طليمات في كتابه في
علم اللغة، دار طلاس، دمشق، ط1، 1997، ص155,
والدكتور أحمد قدور في كتابه مبادئ اللسانيات ، دار الفكر، دمشق، ط1، 1996 ، ص 121 .
أما الفلاسفة وقد أدرك فقد
أدركوا الدور الّذي يؤديه التنغيم في الكلام ، فابن سينا يعدّ نغم الجملة ذا وظيفة
تميزية من حيث الدّلالة الإبداعية، فيتحدّد بما نسميّه (النبرة) نوع الجملة إن كان
نداء وتعجبّاً .( 17 )
ـــــــــــــــــــــــ
( 14 ) انظر: د. عبد الكريم مجاهد عبد الرحمن، الدلالة الصوتية والدلالة
الصرفية عند ابن جني، مجلّة عالم الفكر، العدد (26) آذار 1982 السنة الرابعة , ص
79.
(15) د.
رمضان عبد التواب ، المدخل إلى علم اللغة ومناهج البحث اللغوي، ط 2، مكتبة
الخانجي، القاهرة، 1985م، ص 106.
( 16 ) عبد
السلام المسّدي ، التفكير اللسّاني في الحضارة العربية، الدّار العربية للكتاب،،
1981، ص226.
( 17
) ابن سينا، أبو علي الحسن بن عبد الله ، الشفاء والخطابة، تحقيق محمد
سليم سالم، الدار المصرية للتأليف والنشر، القاهرة، 1954 م، ص198.
و الفارابي قسّم الألحان الإنسانية إلى ثلاثة
أصناف , صنف يكسب النّفس لذاذة، وصنف يفيد النّفس في التخيّل والتصّور للأشياء،
وصنف يكون عن انفعالات، وعن أحوال ملذّة مؤذية ( 18 ) . أمّا
إخوان الصفا , فوظائف التنغيم عندهم منها ما يرقق القلوب، ومنها ما يشجع في
الحروب، ومنها ما يشفي من الأمراض، يقول: ( وكانوا يستعملون عند الدّعاء والتسبيح
ألحاناً من الموسيقى، وتسمّى ( المحزن )، وهي التي ترقق القلوب إذا سمعت، وتبكي
العيون، وتكسب النّفوس الندامة على سالف الذّنوب، كما أدرك إخوان الصفا أثر تنغيم
القرآن الكريم. وتجويده في نفوس المسلمين، حيث تتشّوق النّفوس إلى عالم الأرواح
ونعيم الجنان ) . ( 19
)
و هذا ما نراه عند الجاحظ إذ
يقول: ( وقد بكى ماسرجويه من قراءة أبي الخوخ، فقيل له: كيف بكيت من كتاب الله ولا
تصدق به) ؟ قال:( إنّما أبكاني الشجا ) . ( 20 )
و النّحاة قد استخدموا في أحاديثهم مصطلحات
تندرج في سياق التنغيم مثل ( الترنّم ومدّ الصوت والتطريب ) , فهذا سيبويه يقول في
كتابه: ( اعلم أن المندوب مدعّو، ولكنّه متفجّع عليه، فإن شئت ألحقت
في آخر الاسم الألف، لأنّ الندية، كأنهم يترنّمون فيها ) . ( 21 )
و ابن يعيش في شرح
المفصّل يقول : ( اعلم أن المندوب مدعوّ،
ولذلك ذكر مع فصول النداء ، لكنّه على سبيل التفجّع ، فأنت تدعوه وإن كنت تعلم
أنّه لا يستجيب كما ندعو المستغاث به، وإن كان بحيث لا يسمع كأنه تعدّه حاضراً،
وأكثر ما يقع في كلام النساء لضعف احتمالهنّ وقلة صبرهنّ ، ولمّا كان مدعوّاً بحيث
لا يسمع أتوا في أوّله بيا أو ( وا ) لمدّ الصوت، ولمّا كان يسلك في الندبة والنوح
مذهب التطريب زادوا الألف آخراً للترنّم ( 22 )
ـــــــــــــــــــــــــ
( 18 ) الفارابي، ابن نصر محمد بن
طرخان ، الموسيقى الكبير، تحقيق غطاس خشبة، مراجعة وتصدير الحفني، دار الكاتب
العربي، القاهرة، ص 62-63.
( 19 ) إخوان الصفا، رسائل إخوان الصفا، وخلان الوفاء،
بيروت، الدار الإسلامية 1992م، م1/187-188.
( 20 ) الجاحظ
أبو عثمان عمرو بن بحر، الحيوان، تحقيق فوزي عطوي، ط1، مكتبة النوري، دمشق،
ج4/191.
( 21 ) سيبويه، أبو بشر عمرو
بن عثمان بن قنبر، الكتاب ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، لبنان ، ط 2، 1998م ، 1/375.
(22) ابن يعيش، موفق الدين بن علي، شرح المفصّل، عالم الكتب، مكتبة
المتنبي، القاهرة، 2/13.
و هذا المبرّد يشير إلى دور المتكلّم في تحديد معنى الجملة من خلال
الإطار الصوتي الذي يضعها فيه، فيوظف التنغيم للتعبير عن المعاني النحّوية،
فالجملة الاستفهامية قد تخرج عن معناها، وتحمل معاني أخرى، كالتوبيخ، والإنكار،
بوساطة تنغيم خاصّ تؤدّى به، وذلك قولك: ( أقياماً وقد قعد الناس ؟ ) لم تقل هذا
سائلاً، ولكن قلته موبخاً منكراً لما هو عليه .( 23)
التنغيم عند علماء النّحو
:
يرى بعض الدارسين أن النّحويين اهتموا
بدور المتلقّي لا بدور المتكلّم إذ جعلوا منهجهم في دراسة بناء الجملة يبدأ من
المبنى للوصول إلى المعنى، أي، في اتجاه معاكس لا يسير فيه نظام الحدث الكلامي في
عملية الاتصال اللغوي حسب النظرية الحديثة . (24)
وذلك الكلام غير صحيح إلى
حدّ كبير ، إذ للمتكلّم دور في تحديد معنى الجملة بوضعها في إطارٍ صّوتي يفرق بين
معاني الجمل كالخبرية والإنشائية، فقد تكون الجملة خبرية في المعنى، وهي تحتوي على
أداة استفهام في اللفظ، وقد تكون استفهامية دون أن تحوي أداة استفهام .(25 )
و إلى أهميّة التنغيم في دراسة الأساليب، ذهب كابوتشان
كراتشيا إلى أنّ الإسناد والتنغيم ، ظاهرتان ـ والتنغيم في المقام الأول ـ تكوّنان
الجملة . (26 )
ــــــــــــــــــــــ
( 23 ) المبرِّد، أبو العباس
محمد بن يزيد ، المقتضب، تحقيق محمد عبد الخالق عضيمة ، المجلس الأعلى
للشؤون الإسلامية ، القاهرة،، ط1, 1385-1388هـ ، 3/228.
( 24) سامي عوض , و عادل علي نعامة , دور التنغيم في تحديد معنى الجملة
العربية , مجلة جامعة تشرين للدراسات و البحوث العلمية _
سلسلة الآداب والعلوم الإنسانية المجلد (28) العدد (1)2006 , ص 92 , نقلاً عن حميدة، د. مصطفى، نظام
الارتباط والربط في تركيب الجملة العربية، ط1، الشركة المصرية العالمية للنشر
لونجمان، 1977 .
( 25 ) المصدر السابق , نفس
الصفحة .
(26 ) كابوتشان كراتشيا،
نظرية أدوات التعريف والتنكير وقضايا النحو العربي، ترجمة جعفر دك الباب، دمشق،
1980، ص 26.
أما برجشتراسر فقال : "
لا تعرف تأدية الاستفهام بترتيب للكلمات خاصّ بها أصلاً ، فإمّا أن تستغني عن كلّ
إشارة إليه إلاّ النغّمة، وإمّا أن تستخدم الأدوات، والأوّل موجود فيها كلّها، وهو
نادر جداً في العربية الفصيحة . (27)
و مما يدل على أن النحاة أدركوا
علاقة تنغيم الجملة وطريقة قراءتها بالمعنى ، ما ذهب إليه ابن الشجري في أماليه
أن الاستفهام قد يخرج إلى معان كالتوبيخ ، كقوله تعالى:] أكذبتم بآياتي، ولم
تحيطوا بها علماً [[ النمل : 84 ]،و قوله تعالى :] أفبالباطل تؤمنون [ [
العنكبوت : 67 ]و قوله تعالى : ] أتعبدون
ما تنحتون [ [ الصافات : 95 ] و قوله تعالى : ]كيف
تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم [
[البقرة :28 ]. (28) وذكر الفراء أنها تخرج إلى التوبيخ
والتعجب، فالمعنى ويحكم كيف تكفرون...! ؟، وذكر ابن قتيبة أنها للتعجب .
التنغيم و تحديد معنى
الجملة :
من المعلوم لدارسي اللغة العربية أن ثمة أساليب
إنشائية ليس بها أداة توضحها ، فقط التنغيم هو الفيصل في توضيح هذه الأساليب .
فتأمل قوله تعالى :)
هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا
مَّذْكُورًا( [الإنسان : 1 ]. هل بمعنى ( قد ) في الاستفهام خاصة
، والأصل : أهل ، بدليل قوله : أَهَلْ رَأَوْنَا بِسَفْعِ الْقَاعِ ذِي الأكمِ .
فالمعنى : أقد أتى ؟ على التقرير والتقريب جميعاً ، أي : أتى على
الإنسان قبل زمان قريب ) حِينٌ مّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن ( فيه ) شَيْئاً
مَّذْكُوراً ( أي كان شيئاً منسياً غير مذكور نطفة في
ـــــــــــــــــــــــــــ
( 27) برجشتراسر، التطور النحوي للغة العربية، تحقيق
د. رمضان عبد التواب، مكتبة الخانجي ، القاهرة- مصر ، ط 2 ، 1982م، ص
108.
( 28) ابن
الشجري، ضياء الدين أبو السعادات، هبة الله بن علي بن حمزة العلوي، الأمالي
الشجرية، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، ص265.
الأصلاب (29 )
فالآية تشتمل على أداة
الاستفهام، لكنّها لا تحمل معنى الاستفهام لذا لا نسمع كبار القراء يقفون على هذه
الآية بالاستفهام ، إذ إن هل هنا بمعنى ( قد ) .
وكقوله تعالى: ) قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ
إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُو الاٌّ لْبَابِ
( [ الزُّمَر
: 9 ]، فهذا الاستفهام لا يحتاج إلى
إجابة، وإنّما الغرض منه النّفي ، والسّامع يعرف من ذلك، ويدركه من تنغيم الجملة
وحسْب .
وذكر ابن جني أنّ لفظ
الاستفهام إذا ضامّه معنى التعجب استحال خبراً ، وذلك قولك: (مررت برجل
أيّ رجل )، فأنت الآن مخبر بتناهي الرجل في الفضل، ولست مستفهماً، وكذلك قولك: ( مررت
برجل أيّما رجل ) لأن همزة (ما) زائدة ثّم يقول متابعاً، ومن ذلك لفظ الواجب
إذا لحقته همزة التقرير عاد نفياً، وإذا لحقت لفظ النفي عاد إيجابياً، وذلك كقوله
تعالى: ) وَإِذْ
قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي
وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ...(
[ المائدة : 116
]. ( 30)
أي ما قلت لهم، و دخول هذه
الهمزة على الجملة التقريرية غيّرت من طريقة تنغيمها، وغيّرت من دلالتها، فأصبحت
تفيد النفي بدلاً من التقرير.
و قوله تعالى: ) هَلْ
يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ( [ لزُّمَر : 9 ]، فهذا الاستفهام لا يحتاج إلى إجابة ، وإنّما الغرض منه النّفي ،
والسّامع يعرف ذلك ، و يدركه من خلال تنغيم الجملة وحسب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(29 ) أبو
القاسم محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي , الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل
في وجوه التأويل, تحقيق : عبد الرزاق المهدي
, دار إحياء التراث العربي – بيروت , 4 / 666 . و انظر :
محمد محمد عبد اللطيف بن الخطيب , أوضح التفاسير , المطبعة المصرية ومكتبتها , ط 6
, 1964 م
, 1 / 723 .
( 30 ) ابن جني، أبو الفتح عثمان بن جني، الخصائص، تحقيق محمد علي
النجار، ط2، دار الهدى للطباعة والنشر، 2/370-371.
وذكر الآمدي أنّ الجملة
الاستفهامية تفيد معنى الخبرية ، إذ يخرج الاستفهام إلى معنى التقرير
أو النفي، وذلك كقوله تعالى: ) وَهَلْ نُجَازِي إِلاَّ الْكَفُورَ( [ سبأ : 17 ].( 31 )
تبدو الآية الكريمة بهذا
استفهامية بناء على أداة الاستفهام (هل) ، فإذا عرضناها على أسماعنا من أفواه
القرّاء، أو نظرنا إليها في سياق المعنى القرآني، لم تكن الجملة استفهامية،
والقرينة التي كانت لها الغلبة على (هل) هي المعنى والتنغيم المعبّر عنه، وبهذا
تجردّت الجملة من معنى الاستفهام، مع توافر قرينة الاستفهام اللفظة المعروفة إلى
التقرير أو النفي.
ويقول أحد الرّجّاز:
حتّى إذا جنّ الظّلام واختلط
|
|
جاؤوا بمذق ! هل رأيت الذئب قط
|
البيت من أبيات خمسة في الحماسة لبعض بني فقعس أولها :
رأيت موالي الألى يخذلونني ** على حدثان الدهر
إذ يتقلب (32)
و هذا البيت قاله رجل استضافه قوم، وطال انتظاره الطعام حتى دخل الليل
؛ فقدموا له المذق " وهو اللبن المختلط بالمياه التي تغير لونه ". وهو يصف
هذا التغيير في اللون بأنه صار في لون الذئب" . ( 33 )
فجملة، هل رأيت الذئب قطّ،
خبرية تقريرية ، تعنى جاؤوا بمذق يشبه لون الذئب، وذلك لأنّ النّغمة الصّوتية تشير
إلى معنى الإخبار، وليس إلى معنى الاستفهام.
ـ كما أن هناك أمثلة تخلو
من أداة استفهام، ولكنّها استفهامية يوضحه التنغيم ، كقولك ــــــــــــــــــــــــ
(31 ) الآمدي، أبو القاسم
الحسن بن بشر بن يحيى، الموازنة ، تحقيق : السيد أحمد صقر , دار المعارف , ط 4 , 1991 م , 1/211-214.
( 32) عبد
القادر بن عمر البغدادي , خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب , تحقيق محمد نبيل
طريفي , إميل بديع اليعقوب, دار الكتب العلمية , بيروت - لبنان , 1998م , 3 / 30 .
( 33) انظر : أبو محمد بدر الدين حسن بن قاسم بن عبد الله بن عليّ
المرادي المصري المالكي , توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك , شرح
وتحقيق : عبد الرحمن علي سليمان ، دار الفكر العربي , ط 1, 2008م , 2 / 956 .
لرجل : ( أنت المدير ) ،
هذه الجملة المكتوبة جملة خبرية إثباتية، ولكنّها قد تكون بالتنغيم جملة إنشائية
استفهاميّة ، أو تعجبية .
و هذا يبدو في قوله تعالى: ] يَا أَيُّهَا
النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ
وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ[ [التحريم: 1].
ففي قولـه تعالى: ] تَبْتَغِي
مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ [ يُلحظ التقرير؛ فأنت يا محمد تحرّم الحلال
ابتغاء مرضات أزواجك، غير أن دلالة التنغيم تشير إلى الاستفهام الإنكاري: ] تَبْتَغِي
مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ؟ [، أي لا تحرّم الحلال مرضاة أزواجك. ( 34)
كما يمكن أن تكون الجملة
استفهامية، و تسقط منها أداة الاستفهام ، ويبقى السّياق استفهاماً ، و طريقة نطقها
أي التنغيم ، يدّل على أنّها استفهاميّة ،
كقول رسول اللهّ صلى الله عليه وعلى أصحابه أجمعين: ( يا أبا ذرّ , عيّرته
بأمّه ) أراد أعيّرته ؟ ( 35)
و من ذلك أيضاً الحديث عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال
: ( أتاني جبريل فأخبرني أنه من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة قال : قلت
: يا رسول الله و إن زنى و إن سرق قال : و إن زنى و إن سرق).( 36 )
هذا الحديث يبدو للوهلة
الأولى خبرياً تقريرياً ، ولكنّه قد يكون
بالتنغيم إنشاء استفهامياً.
و قول النبي r للحسن أو الحسين ( عليهما السلام ) لما أخذ
تمرة الصدقة، فجعلها في فيه، فنظر إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأخرجها
من فيه ، و قال: ( ما علمت )،أي أما علمتَ ؟
يقول ابن مالك : ومن روى ( ما علمتَ ) ، فأصله ،
( أما علمتَ ؟ ) , وحذفت همزة
ـــــــــــــــــــــــــــ
( 34 ) يوسف
عبد الله الجوارنة , التَّنْغيم ودلالته في العربيَّة , مجلة
الموقف الأدبي - مجلة أدبية شهرية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق - العدد 369
كانون الثاني 2002 , ص 41 .
( 35) ابن مالك، شواهد
التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح، د. طه محسن، ط2، 1413 هـ، ص148
( 36 ) البيهقي , أبو بكر أحمد
بن الحسين , شعب الإيمان , تحقيق : محمد السعيد
بسيوني زغلول , دار الكتب العلمية – بيروت ,ط 1 ، 1410هـ , 1 / 346 .
الاستفهام، لأنّ المعنى لا
يستقيم إلاّ بتقديرها (37 )
ومن ذلك ما رواه ابن عبّاس من أن رجلاً قال: ( إن أمّي ماتت وعليها
صوم شهر , فأقضيه ) ، أي : أفأقضيه؟ (38
)
و قول عمر بن أبي ربيعة:
أي ( أتحبها ؟ ) ( 39
)
وقد اختلف أئمة العربيّة
في قوله: ( تحبّها ) فعاب أبو عمرو بن العلاء : حمله على الاستفهام، لأن حذف
الاستفهام غير جائز عنده ، وأومأ إلى الطعن في هذه الروّاية قائلاً:
روى بعض الروّاة أنّه إنّما قيل: هل تحبّها... ؟ قلت: بهراً، ولذلك خطّأ المبرِّد
حمل بيت أبي ربيعة على الاستفهام، وحمله على الإيجاب .
وخطّأ الوقّشيّ المبرّد،
فقال: قوله هذا هو الخطأ وما حكوه من حذف الألف دليل في اللفظ إلاّ ممّا يعطيه
معنى الكلام معروف لهم. ويلاحظ أن الوقّشيّ يجيز حذف الاستفهام على نيّة تقديره
تعويلاً على أن معنى التركيب يوحي بذلك، شأنه في ذلك شأن النحّاة الّذين أجازوا
حذف الاستفهام على قلّتهم , وقيل إنّه إخبار لا استفهام، والمعنى،
ثّم قالوا: أنت تحبّها . و لعلّ أهمّ ما نلحظه في العرض السّابق حول أداة
الاستفهام إنكار بعضهم حذف الهمزة بلا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
( 37 ) ابن مالك ، شواهد
التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح ، د. طه محسن، ط 2 ، 1413 هـ ، ص146.
( 38 ) المصدر السابق ، ص
149.و انظر : أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران الهراني
الأصبهاني , المسند المستخرج على صحيح الإمام مسلم , , دار الكتب العلمية , بيروت
- لبنان , 1996 م
, ط 1 , 3 / 223 .
( 39 ) عمر بن أبي ربيعة ، الديوان، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد،
القاهرة، 1965، ص431.
دليل، ورؤيته بيت عمر بن أبي
ربيعة على التقرير أو الإخبار ، وتأكيد بعضهم الآخر أنّ بيت عمر بن أبي ربيعة هو
استفهام، وهذا الخلاف يؤكد وجود ظاهرة التنغيم والاعتماد عليه في تأويل البيت، فمن
يسلّم أن الجملة استفهام عوّل على لفظها بنغمة الاستفهام، لذلك تأوّل الاستفهام
ولاشيء غير ذلك. أمّا من رأى أنّها تقرير فقد لفظها بنغمة التقرير، وهو محقّ في
ذلك، أي إن كلا الرأيين صواب، والاختلاف نابع من الوجهة التنغيمية، ولا سيّما
أننّا علمنا اعتماد العلماء أصحاب هذه الآراء والتأويلات على السّماع وتدوين
القاعدة النحوية. ( 40)
ومن ذلك أيضاً قول الحضرمي
ابن عامر الأسديّ ردّاً على من عيّره بفرحه لموت أخيه وميراثه إيّاه
أفرح أن أرزأ الكرام وأن
|
|
أورث ذوداً شصائصاً نبلا ( 41 )
|
أي أأفرح ؟
فجملة ( أفرح أن أرزأ
الكرام ) استفهامية، وليس فيها أداة
استفهام، وإنّما طريقة تنغيمها يدلّ على أنّها استفهاميّة , أي أأفرح أن أرزأ
الكرم ؟
ومن هذا القبيل أيضاً قول
الكميت الأزدي :
ما ترى الدّهر قد أباد معداً
|
|
وأباد القرون من عهد عاد ( 42 )
|
أي : أما ترى , فهذا البيت التنغيم فيه يعبّر عن الاستفهام ،
والتقدير: أما ترى ؟ فالاستفهام المحذوف يعوض عنه بالتنغيم الخاصّ بهذا المعنى .
ــــــــــــــــــــــــــــــ
( 40 ) سامي عوض , و عادل علي نعامة , دور التنغيم في تحديد معنى الجملة
العربية , مجلة جامعة تشرين للدراسات و البحوث العلمية _
سلسلة الآداب والعلوم الإنسانية المجلد (28) العدد (1)2006 , ص 93 .
( 41 ) البغدادي، عبد القادر، شرح أبيات مغني اللبيب، تحقيق عبد العزيز
رباح و أحمد يوسف دقاق , دار المأمون للتراث ، بيروت – لبنان , ط 1 ,
1983، 1/37.
( 42 ) ابن مالك، شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح، تحقيق
د. طه محسن، مكتبة ابن تيمية , القاهرة
– مصر , ط 2، 1413هـ، ص 147.
و من هنا نلحظ أن الاستغناء
عن الهمزة والاعتماد على التنغيم في التعبير عن الاستفهام قد وجد فيما يعرف بعصور
الاحتجاج قريباً من نشأة الدّرس اللّغوي عند العرب، ممّا يستغرب
معه جعل الأئمة هذه الظاهرة قائمة على تقدير همزة الاستفهام المحذوفة، وهو حذف
مقصور عندهم على الضرورة، أي إنّهم لم ينسبوا هذا المعنى إلى ما رافق تركيبه من
التنغيم. (43 )
ومن ذلك أيضاً ما جاء في
قصّة امرئ القيس مع جواريه اللواتي ذبح لهنّ ناقته، فقد قال لهنّ : إن نحرت لكنّ
ناقتي تأكلنّ منها . قلن: نعم .(44 )
فواضح أن الاستفهام هو المراد من التركيب، وأنه
ليس فيه ما يعبّر عن هذا المعنى سوى التنغيم الخاصّ به، وواضح أنّ الجواري فهمن
قصد امرئ القيس دونما حاجة إلى استخدام حرف استفهام، ممّا يعني أن التنغيم هو
الأداة التي عبّر بها امرؤ القيس عن الاستفهام، وفهم الجواري هذا المعنى، ولكنّ
النّحاة ـ لأنّهم لم يعنوا بقرينة التنغيم ووظيفتها .. يرون أن ثّمة حرف استفهام
محذوفاً. لا يستقيم المعنى، ولا أصول الصناعة النحّوية إلاّ به، والتقدير عندهم في
قول امرئ القيس: إن نحرت لكنّ ناقتي أتأكلنّ منها ... ؟
وفي مثل ذلك قول عمر بن
أبي ربيعة
فو الله، ما أدري، وإن
كنت دارياً
|
|
بسبعٍ رمين الجمرَ أم
بثمان ( 45 )
|
المقصود ( أبسبع ... ) لو
أنعمنا النظر في هذا البيت لوجدنا أنّ، الجملة و إن كانت تخلو من أداة الاستفهام، لكنها
في حقيقة الاستعمال جملة استفهامية يستقبلها السامع بإدراك
ـــــــــــــــــــــــــ
( 43 ) سامي عوض , و عادل علي نعامة , دور التنغيم في تحديد معنى الجملة
العربية , مجلة جامعة تشرين للدراسات و البحوث العلمية _
سلسلة الآداب والعلوم الإنسانية المجلد (28) العدد (1)2006 , ص 94 .
( 44 ) التبريزي، أبو زكريا
يحيى بن محمد، شرح القصائد العشر، تحقيق د. فخر الدين قباوة، ط4، (د.ت)، بيروت، ص
38.
( 45 ) عمر بن أبي ربيعة،
الديوان، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، ط3، القاهرة، 1384- 1965م، ص266
واضح، ويتعين الاستفهام
فيها بالتنغيم، إذ النظرة الأولى إلى هذه الجملة مكتوبة توهم أنّها لا تكون إلا
جملة خبرية إثباتية.
للتنغيم دور في توضيح
دلالات صيغة الأمر ، فقد تخرج عن معناها
إلى معان أخر فتكون زجراً و توبيخاً ، أو تهديداً , أو دعاءً , أو رجاء ، أو غير
ذلك , و الصيغة التنغيمية هي التي تعين على الكشف عن معناها النّحويّ في الكلام .
التنغيم و التوزيع
التحليلي للنصّ :
قد يساعد التنغيم كذلك على
التوزيع التحليلي للنصّ الواحد بحيث يمكن مع تنغيم معين أن يكون النصّ كلّه جملة
واحدة ومع تنغيم آخر يكون أكثر من جملة، ومثال ذلك هذه الآية الكريمة:
قال تعالى: ) قَالُواْ جَزَآؤُهُ مَن
وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ( [يوسف 75 ] هذه الآية يكون
التنغيم في جزئها الثاني محوراً رئيساً في تحديد الأبواب والتراكيب؛ فالجزء الثاني
تُقرأ فيه جملة ) قَالُواْ :جَزَآؤُهُ ؟ ( بنغمة الاستفهام،
وجملة: ) مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ
فَهُوَ جَزَاؤُهُ ( جملة واحدة على
التقرير، وتقرأ أيضاً على التعجب والاستهجان: ) قَالُواْ :جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ
فَهُوَ جَزَاؤُهُ (، ويمكن أن تُقرأ
على التبرّم والانزعاج، ويظهر ذلك جليّاً من خلال الحديث والكلام المنطوق أكثر من
الكلام المكتوب الذي يحدد التنغيمَ فيه الترقيمُ.( 46 )
و
من ذلك قول عمر بن أبي ربيعة عند سؤاله عن محبته لمحبوبته:
|
قالوا
: تحبّها. قلت: بَهراً عدد النجم
والحصى والترابِ
|
فجملة
(تحبها) يمكن أن تقرأ على غير وجه، فهي تكون للاستفهام وهو أقواها، وتكون للتقرير
وهو ضعيف:
ــــــــــــــــــــ
( 46 ) التَّنْغيم
ودلالته في العربيَّة - يوسف عبد الله الجوارنة , مجلة الموقف الأدبي - مجلة أدبية شهرية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب
بدمشق - العدد 369 كانون الثاني 2002 , ص 41 .
قالوا:
تحبها ؟ قلت: بهراً .(على الأول) , قالوا: تحبها. قلت: بهراً .(على
الثاني) و يحتمل أن تكون للاستغراب
والتعجب، قالوا: تحبها ! قلت: بهراً، وهو أضعف الاحتمالات. ( 47 )
التنغيم يساعد في
تفسير الجملة تفسيراً صحيحاً :
ويقوم التنغيم بدور دلالي
كبير يساعد في تفسير الجملة تفسيراً صحيحاً، ويعدّ قرينة صوتية كاشفة في اختيار
المتكلّم لنوع معين من أنواع التفسير النحّوي الدّلالي، وهو المسؤول في كثير
من الأحيان عن تحديد عناصر الجملة المكونة لها ، وقد تنبّه سيبويه إلى دور التنغيم
في المعنى، لكنّه لم يذكره، بالمصطلح، فقد أشار إلى أن ثمّة جملاً خبرية يراد بها
معنى الجملة الإنشائية، من ذلك ما ذهب إليه. في (باب الأمر والنّهي)،
بقوله: زيداً قطع الله يده ، وزيداً
أمّر الله عليه العيش، لأن معناه معنى، زيداً ليقطع الله يده.( 48 )
وممّا جاء خبراً وفيه معنى
الأمر ما نقله في ( باب الحروف التي تنزل بمنزلة الأمر والنهي، لأنّ فيها معنى
الأمر والنهي ) يقول: ومثل ذلك: ( اتّقى الله امرؤ، وفعل خيراً يثب عليه ) ، لأنّ
فيه معنى: ليتقِ الله امرؤ، وليفعلْ خيراً ( 49 )
وقد يخرج الاستفهام عن
حقيقة معناه إلى التوبيخ الذي يعرف بالتنغيم الصّوتي الّذي يؤّديه المتكلم، يقول
سيبويه ، وذلك قولك: ( أتميميّاً مرّة، و قيسيّاً أخرى)، وإنّما هذا أنّك رأيت
رجلاً في حال تلوّن وتنقّل، فقلت: ( أتميمياً مّرة و قيسيّاً أخرى ؟ )، كأنّك
قلت: أتحوّل تميمياً مرّة، و قيسيّاً أخرى ، فأنت في هذه الحال تعمل في تثبيت هذا
له، وهو عندك في تلك الحال في تلوّن وتنقلّ، وليس يسأله مسترشداً في أمر هو جاهل به،
ليفهّمه إيّاه، ويخبره عنه، ولكنّه وبخّه بذلك .( 50 ) وهنا يصبح التنغيم مساعداً على تحديد المدلول المراد بالجملة
ـــــــــــــــــــــــــــ
( 47 ) المصدر السابق , نفس الصفحة .
( 48 ) سيبويه أو بشر
عمرو بن عثمان بن قنبر، الكتاب، 1991، تحقيق وشرح عبد السلام محمد هارون، ط1، دار
الجبل، بيروت، لبنان، 1/142.
( 49 ) المصدر السابق ،
3/100.
( 50 ) المصدر السابق ،
1/343.
دور التنغيم في فهم
المعنى
ويتوقف فهم المعنى في
حالات كثيرة على الطريقة الصوتية (الإيقاع والتنغيم) ومن هنا تبرز أهمية دراسة
اللغة المنطوقة، والنحو التقليدي لم يميّز بين (اللغة المكتوبة)، و(اللغة المنطوقة)،
على حين أنّ لكلّ منهما نظاماً خاصّاً قد يختلف اختلافاً كبيراً عن صاحبه، بل إنّ
هذا النّحو ركزّ اهتمامه على اللغة (المكتوبة)، وقد ترتب على ذلك أولاً أنّه قدّم
قواعد اللغة على أساس معياري، وعلى أساس جمالي تقييمي، فهذا استعمال (عالٍ) وذاك
(متوسط) وثالث (قبيح) . ( 51 )
وتبرز أهمية التنغيم في
التأويل النّحوي، ويمكن أن نأخذ مثلاً الخلاف في همزة "الاستفهام: فقد ذكر
الفرّاء أنه يجوز حذف همزة الاستفهام في الكلام، فيصبح الكلام بلفظ الإخبار، ويدلّ
المعنى على الاستفهام، قال تعالى: ] وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ
قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ
يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ [[البقرة :124 ]. و التقدير ( أو من ذريّتي ؟
) ( 52 )
وتابعه الأخفش فأوضح أن
قوله تعالى: ] وَتِلْكَ
نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ [ [ الشعراء 22
]. فهذه الآية الكريمة تقرأ بنغمة صوتية مستوية، مفيدة الاستفهام، وملاك القول
فيها أنّ الاستفهام مفهوم من سياق الجملة بما يرافقها من تنغيم هو في الأصل صورة
من صور التعبير، إذ النظرة الأولى إلى هذه الآية مكتوبة توهم أنّها لا تكون إلا
جملة خبرية إثباتية، ولكنّها قد تكون بالتنغيم إنشائية استفهامية. وعلى تقدير
الاستفهام، أتمنّها عليّ .. ؟ ( 53 )
ومما يحكى أنّ رجلاً ضرب
ابناً له، فقالت أمه له: لا تضربه ليس هو ابنَكَ: فرافعها إلى القاضي، فقال هذا
ابني عندي.. وهذه أمّه تذكر أنه ليس مني، فقالت المرأة: ليس الأمر على
ـــــــــــــــــــــــــــــ
( 51 ) كشك، د. أحمد،
من وظائف الصوت اللغوي ومحاولة لفهم صرفي ونحوي ودلالي، ص61.
( 52 ) الفرّاء، معاني القرآن، تحقيق أحمد يوسف نجاتي، محمد على النجار، طبعة
دار الكتب المصرية للتأليف والترجمة، 1955، 1/76.
( 53 ) الأخفش الأوسط
أبو الحسن سعيد بن مسعده المجاشعي، (معاني القرآن)، تحقيق د. فايز فارس، ط1،
المطبعة العصرية، الكويت، دار الكتب الثقافية، 1979، ص309.
ما ذكره، وإنما أخذ يضرب
ابنه، فقلت له لا تضربه ليس هو ابنك، ومّدت الفتحة، فتحة النون جداً، فقال
الرجل: والله ما كان منها هذا الطويل الطويل، فما فهمه الأب بتنغيم معين
رفضته زوجته أمام القاضي مدعية تنغيماً آخر، فأقسم أنه لم يكن في كلامها هذا
التنغيم الطويل الطويل، وهنا نلمس الخطورة الدلالية التي يمكن أن يقوم بها
الإشباع، فهو يوازي عبارات بإكمالها. ( 54 )
التنغيم يدل على
المحذوف :
كثيراً ما يحذف مكوّن من
مكوّنات الجملة , و التنغيم هو الذي يوضحه، ومن ذلك على سبيل المثال :
ـ حذف الصفة : قال
سبيويه : إنّهم يقولون: (سِيَر عليه ليلٌ )، يريدون ليل طويل، وهذا إنّما يفهم عنهم بتطويل
(الياء)، فيقولون: ( سِيَر عليه ليل )، فقامت المدّة مقام الصفة ( 55 )
و هذا ما نسمعه كثيراً عندما نقابل إنساناً لم نره من زمن , فنقول
له : أين أنت من زمان ؟ بتطويل الألف .
التنغيم يفرق بين
معاني الجمل والمقولات النّحوية:
يفرق التنغيم بين الجمل
الإنشائية الاستفهامية والجمل الخبرية، وذلك عن طريق رفع الصوت، يقول ابن مهران
النيسابوري: مدّات القرآن على عشرة أوجه ، ومدّ الفرق نحو: )آلآن (
[ يونس : 51 , 91 ] لأنّه يفرق بين الاستفهام والخبر، وقدره ألف تامّة بالإجماع،
فإن كان بين ألف المدّ حرف مشدّد زيد ألف ليتمكّن به من تحقيق الهمزة نحو: ) آلذَّكَرَيْنِ ([ الأنعام : 143 , 144 ] ) آللَّهُ
( [ يونس : 59 ] ، فالمدّ هو الذي
يفرق بين الخبر و
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
( 54 ) سامي عوض , و عادل علي نعامة , دور التنغيم في تحديد
معنى الجملة العربية , مجلة جامعة تشرين للدراسات و البحوث العلمية _
سلسلة الآداب والعلوم الإنسانية المجلد (28) العدد (1)2006 , ص 105 .
( 55 ) ابن جني أبو الفتح عثمان بن جني، المحتسب في تبين وجوه شواذ
القراءات والإيضاح عنها، تحقيق عبد الحليم النجار، وعبد الفتاح إسماعيل شلبي،
المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، لجنة إحياء الكتب، القاهرة، مصر، 1994م، 1/259.
الاستخبار ، فإذا مددت دللت على الاستفهام، أمّا إذا حذفت المدّ
فعلى الخبر، ومنه قرأ الحسن: )آن جَاءهُ الأَعْمَى( [ عبس : 2 ] بالمدّ . ( 56 )
قال أبن جني : :
)آن( معلقة بفعل محذوف دل عليه قوله
تعالى: ) عَبَسَ
وَتَوَلَّى ([ عبس : 1] تقديره أأن جاءه الأعمى أعرض عنه، وتولَّى
بوجهه.. ؟ فالوقف إذاً على قوله: )
عَبَسَ ( ,ثم استأنف لفظ الاستفهام منكراًُ للحال، فكأنّه قال: ألآن
جاءه الأعمى، كان ذلك منه .( 57 )
و كذلك يرفع الصوت في الندبة ، دلالة على
الحزن والضجر , يقول ابن جني يؤول قوله
تعالى : ) قَالَتْ
يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا( [ سورة هود 72 ] وأصلها: ( ياويلتي )
، فأبدلت الياء ألفا، لأنه نداء فهو في موضع تخفيف .( 58 )
وقال أيضاً في قوله تعالى: ) وَ
نَادَى نُوحٌ ابْنَهُ( [ هود :42 ] وقرأ
السّدي، ( ابناه ) ممدودة الألف على النداء، وقيل على الترثِّي، وهو على
الحكاية، أو الندبة، أي قال له: يا ابناه.. على الندبة، ولو أراد حقيقة
الندبة، لم يكن بدّ من أحد الحرفين: يا ابناه أو واابناه، كقولك: وا زيداه ، و يا زيداه
. ( 59)
التنغيم عند علماء التجويد
:
بعد أن تكلمنا عن التنغيم
عند علماء اللغة و النحويين , نتكلم عن هذه الظاهرة عند علماء التجويد , و السؤال الذي
يتبادر إلى الذهن هل تناول علماء التجويد موضوع التنغيم بالدراسة أم لا ؟ و لنمض
معاً لنرى هذه الظاهرة عند علماء التجويد .
ـــــــــــــــــــــــــ
( 56 ) السيوطي، جلال
الدين، الإتقان في علوم العربية، دار الفكر ، 1/98.
( 57 ) ابن جني أبو
الفتح عثمان بن جني، المحتسب في تبين وجوه القراءات والإيضاح عنها، تحقيق عبد
الحليم النجار ، عبد الفتاح إسماعيل شلبي ، 1994، 1/352.
( 58 ) المصدر السابق،
2/213.
( 59) المصدر السابق ،
1/322-323.
ـ إدراك علماء التجويد
التنغيم :
يعتبر أبو حاتم الرازي من أقدم
الذين تناولوا التنغيم في الدراسات لتجويد
القرآن الكريم , ذلك النصّ الموجود في كتابه ( الزينة) حيث حلّل اللفظة ( آمين ) ،
إذ يقول: " قال قومٌ من أهل اللّغة هو مقصور. وإنّما أدخلوا فيه المدّة بدلاً
من ياء النداء كأنّهم أرادوا ( يا مين ) ... فأمّا الذين قالوا مطوّلة فكأنه معنى
النداء يا أمين على مخرج من يقول: يا فلان، يا رجل، ثم يحذفون الياء : أفلان ،
أزيد . وقد قالوا في الدّعاء : أربّ ، يريدون يا ربّ. و حكى بعضهم عن فصحاء العرب:
أخبيث، يريدون يا خبيث. وقال آخرون: إنّما مُدّت الألف ليطول بها الصوت كما قالوا:
(أوه) مقصورة الألف ثم قالوا: (آوه) يريدون تطويل الصوت بالشكاية " ( 60 )
في هذا النص ربط أبو حاتم الرازي مدّ
الصوت بالمعنى ، وهذا أمر لا يمكن إدراكه كتابة , إنما مشافهة , و هذا منهج دقيق
للمسلمين وضعوه في التلقي الشفهي ، فقد كانوا يرون أنّ النقل من الأفواه هو النقل
السليم الذي ينفي كلّ لَبْسٍ يعتريه , و كثيراً ما سمعنا هذه الجملة من مشايخنا ,
إذ يقولون : خذ القرآن من مصحفي , و لا تأخذه من صحفي .
و إذا نظرنا إلى ابن الجزري في تعريفه
للمقرئ فإنه يقول : إنه العالم بالقراءات رواها مشافهة ، فلو حفظ
"التيسير" مثلاً ليس أن يقرأ بما فيه إنْ لم يشافهه مَنْ شُوفِه به،
مسلسلاً؛ لأنّ في القراءات أشياء لا تُحكَم إلا بالسّماع والمشافهة " ( 61)
و هذا ما دفع الإمام الزركشي في كتابة ( البرهان
) إلى القول : فمن أراد أن يقرأ القرآن بكمال الترتيل فليقرأه على منازله، فإن كان
يقرأ تهديداً لفظ به لفظ المتهدد، وإن كان يقرأ لفظ تعظيم لفظ به على التعظيم .( 62 )
ـــــــــــــــــــــــ
( 60 ) انظر: أبو حاتم
الرازي، كتاب الزينة تحقيق : حسين بن فيض الله الهنداني، مطبعة الرسالة، القاهرة
1958: 2/28
( 61
) انظر: ابن الجزري ؛ منجد المقرئين ومرشد الطالبين تحقيق: محمد حبيب
الله الشنقيطي , و أحمد محمد شاكر ، مكتبة القدس بالأزهر، القاهرة , ط1 , 1980 م , ص 3.
( 62 ) الزركشي
بدر الدين محمد بن عبد الله ، 1975 م، البرهان في علوم القرآن، تحقيق محمد أبي
الفضل ، دار إحياء الكتب العربية، منشورات عيسى البابي الحلبي، ط1، 1376 هـ ,
1/450.
كما
يرى أنّ القارئ المجيد هو الذي "تكون تلاوته على معاني الكلام وشهادة
وصف المتكلّم؛ فالوعد بالتشويق والوعيد بالتخويف والإنذار بالتشديد، فهذا القارئ
أحسن الناسِ صوتاً بالقرآن، وفي مثل هذا قال تعالى:]
الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ
أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ [
[البقرة 121] ( 63)
ومن أقدم النصوص التي تناولت التنغيم في
الدّراسات التي أُفرِدت لتجويد القرآن الكريم، ما دوّنه أبو العلاء العطار في
كتابه "التمهيد في التجويد" حيث يقول: "وأما اللحن الخفي فهو الذي
لا يقف على حقيقته إلاّ نحارير القرّاء ومشاهير العلماء، وهو على ضربين:
أحدهما لا تعرف كيفيته ولا تدرك حقيقته
إلا بالمشافهة وبالأخذ من أفواه أولي الضبط والدراية وذلك نحو مقادير المدّات،
وحدود الممالات والملطفات والمشبعات والمختلسات، والفرق بين النفي والإثبات،
والخبر والاستفهام، والإظهار والإدغام، والحذف والإتمام، والروم والإشمام، إلى ما
سوى ذلك من الأسرار التي لا تتقيّد بالخط، واللطائف التي لا تؤخذ إلاّ من أهل
الإتقان والضبط"( 64 ) ويقول السمرقندي في كتابه
"روح المريد في شرح العقد الفريد في علم التجويد" في قصيدته ( العقد
الفريد ) :
إذا
( ما ) لنفيٍ أو لِجَحْدٍ فصوتُها ارْ
|
|
فَعَنْ
وللاستفهام مَكّن وعدِّلا
|
وفي غيرها اخفض صوتها والذي بما
|
|
شبيهٌ بمعناه فقِسْهُ لتفضُلا
|
كهمزة الاستفهام مَعْ مَنْ وأنْ وإِنْ
|
|
وأفعلَ تفضيلٍ وكيف وهل ولا
|
قال في الشرح : مثال ذلك: (ما قلتُ)، ويرفع الصوت بـ (ما) يعلم
أنّها نافية، وإذا خفض الصوت يعلم أنّها خبريّة، وإذا جعلها بين بين يُعلم أنّها
استفهاميّة. وهذه العادة جارية في جميع الكلام وفي جميع الألسن"( 65).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 63 ) المصدر السابق، 2/181.
( 64 ) الحمد، د. غانم قدوري،
كتاب الدراسات الصوتية لدى علماء التجويد ، مطبعة الخلود، بغداد ، ط1 ، 1986م،
ص567.ـ ابن الجزري شمس الدين محمد، التمهيد في علم التجويد تحقيق غانم قدوري
الحمد، بيروت، مؤسسة الرسالة، ط1، 1986م، ص567
( 65 ) الحمد، د. غانم قدوري،
كتاب الدراسات الصوتية لدى علماء التجويد ، مطبعة الخلود، بغداد، ، ط1 , 1986م ،
ص567 – 568 .
وجعل
أيضاً رفع الصوت وخفضه عاملاً في تغيير المعنى، إذ إن فهم ارتفاع الصوت وانخفاضه
على هذه الشاكلة لا يقل أهمية ودقة عن الفهم المعاصر للتنغيم.( 66 ) وكذلك يجعل التنغيم
مميّزاً لـ ( لا ) النافية في اللام المؤكدة للفعل يقول: " والفرق بينهما
أنّه في نحو ( لا انفصام ) يكتب بألفين، وفي نحو ( لاتّبعتم ) يكتب بألف واحدة،
ويرفع الصوت على ( لا ) ويخفض على اللام . فهذا ما وصل إلينا من الأئمة رواية
ودراية ومشافهة وبياناً"( 67 )
الجانب الوظيفي للتنغيم عند
علماء التجويد :
ربط
الزركشي بين الترتيل و المعنى , وكذلك ابن الجزري الذي ربط بين المد والمعنى ،
يقول عن السبب المعنوي للمد: " وأمّا السبب المعنوي فهو قصد المبالغة في
النفي وهو سبب قوي مقصور عند العرب وإن كان أضعف من السبب اللفظي عند القرّاء ومنه
مدُّ التعظيم في نحو ( لا إله إلا الله، لا إله إلا هو، لا إله إلا أنت ) وقد ورد
هذا عن أصحاب القصر في المنفصل لهذا المعنى . نصَّ على ذلك أبو معشر الطبري وأبو
القاسم الهذلي وابن مهران و الجاجاني وغيرهم، وقرأتُ به من طريقهم وأختاره ، ويقال
له أيضاً مدُّ المبالغة ، قال ابن مهران في كتاب المدّات له : إنّما سُمي مدُّ
المبالغة في نفي إلهيّة سوى الله سبحانه . قال : وهذا معروف عند العرب لأنّها
تمدُّ عند الدعاء وعند الاستغاثة وعند المبالغة في نفي شيء , ويمدّون ما لا أصل له
بهذه العلّة .( 68 ) .
فابن الجزري هنا جعل للمد وظيفة معنوية للكلمات
.
الوقف والتنغيم :
الوقف
ظاهرة أدائية تتعلق بالقراءة وترتبط بالمعنى، وأنّ الإخلال به يؤدي إلى تحريف
المعنى عن مواضعها( 69 )
ــــــــــــــــــــــــــــ
( 66 )المصدر السابق ص 568
( 67 )المصدر
السابق ص 569
( 68 ) انظر: ابن الجزري
: النشر , تحقيق علي محمد الضباع , المطبعة
التجارية الكبرى , 1/344-345.
( 69 ) انظر : النشر ,
1/230-231.
الوقف
في القرآن الكريم، من الموضوعات المهمة لدى علماء الدراسات القرآنية , ومن الكتب
التي تناولت هذا الموضوع ، كتاب "إيضاح الوقف والابتداء في كتاب الله عز
وجل" لأبي بكر الأنباري النحوي , وكتاب "القطع و الائتناف " لأبي
جعفر النحاس ، و كتاب "المكتفي في الوقف والابتداء" لأبي عمرو الداني، و
كتاب " النشر في القراءات العشر " لابن الجزري .
يقول ابن الأنباري
: "ومن تمام معرفة إعراب القرآن ومعانيه وغريبه معرفة الوقف والابتداء".
ويؤكد ذلك في باب : ذكر ما لا يتمُّ الوقف عليه، يقول: "واعلم أنّه لا يتمُّ
الوقف على المضاف دون ما أُضيف إليه، ولا على المنعوت دون النعت . ( 70 ) و يمضي
ابن الأنباري في توضيح أهمية الوقف في أنه كونه "يوضّح كيف وأين يجب أن ينتهي
القارئ لآي القرآن الكريم بما يتّفق مع وجوه التفسير واستقامة المعنى وصحة اللغة
وما تقتضيه علومها من نحوٍ وصرفٍ ولغة، حتّى يستتم القارئ الغرض كلّه من قراءته،
فلا يخرج على وجه مناسب من التفسير والمعنى من جهة، ولا يخالف وجوه اللغة وسبل
أدائها التي تعين على أداء ذلك التفسير والمعنى، وبهذا يتحقق الغرض الذي من أجله
يُقرأ القرآن ألا وهو الفهم والإدراك، فإذا ما استطاع القارئ أن يفعل ذلك وتمكّن
من مراعاته في وقفه عند نهاية العبارة فإنّه لا شكّ سوف يبدأ العبارة على النحو
الذي توفّر له في وقفه، فهو لا يبدأ إلا من حيث يتمُّ به المعنى من جهة وبما لا
يباين اللّغة وعلومها من جهة أخرى وهو ما حرصت عليه العرب في أداء عبارتها واهتمت
له في كلامها شعره ونثره" .( 71)
و
هذا ابن الجزري يحلل نماذج من القرآن الكريم لأنواع الوقف الابتداء, تحليلاً ينمُّ
عن إدراك دقيق لأهميّة الوقف، يقول: "وليس كلّ ما يتعسّفه بعض المعربين أو
يتكلّفه بعض القرّاء أو يتأوله بعضُ أهل الأهواء مما يقتضي وقفاً أو ابتداء ينبغي
أن يعتمد الوقف عليه، بل ينبغي تحرّي المعنى الأتمّ والوقف الأوجه وذلك نحو الوقف
على )وَارْحَمْنَآ
أَنتَ( والابتداء
)مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا( [ البقرة : 286 ]على معنى النداء، ونحو )ثُمَّ جَآؤُوكَ يَحْلِفُونَ ( ثم الابتداء )بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا ( [ النساء : 62 ]
ــــــــــــــــــــــــــ
( 70 ) انظر:
أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري النحوي، إيضاح الوقف والابتداء في كتاب الله عز وجل
, تحقيق : محيي الدين عبد الرحمن رمضان ، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق ، ، 1971 م : 1/6.
( 71 ) انظر
المصدر السابق : 1/21-22.
ونحو
)وَإِذْ
قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ ( ثم الابتداء )بِاللَّهِ
إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ( [ لقمان : 13 ] على معنى القسم... "( 72 )
فالوقف
و الابتداء يغيّران معنى الجملة ، فينقلانها من معنى إلى معنى آخر .
ـ التنغيم يفرق بين معاني
الجمل القرآنية :
مر بنا قول ابن مهران النيسابوري:
مدّات القرآن على عشرة أوجه ، ومدّ الفرق نحو: )آلآن (
[ يونس : 51 , 91 ] و ) آلذَّكَرَيْنِ
([ الأنعام : 143 , 144 ] و ) آللَّهُ (
[ يونس : 59 ] ، فالمدّ هو الذي
يفرق بين الخبر والاستخبار، فإذا مددت دللت على الاستفهام، أمّا إذا حذفت المدّ
فعلى الخبر، ومنه قرأ الحسن: )آن جَاءهُ الأَعْمَى( [ عبس : 2 ] بالمدّ . ( 73 )
و كذلك يرفع الصوت في الندبة ، كما في قوله
تعالى : ) قَالَتْ
يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا( [ سورة هود 72 ] وأصلها: ( ياويلتي )
، فأبدلت الياء ألفا، لأنه نداء فهو في موضع تخفيف .( 74)
وقال أيضاً في قوله تعالى: ) وَ
نَادَى نُوحٌ ابْنَهُ( [ هود :42 ] وقرأ
السّدي، ( ابناه ) ممدودة الألف على النداء، وقيل على الترثِّي، وهو على
الحكاية، أو الندبة، أي قال له: يا ابناه.. على الندبة، ولو أراد حقيقة
الندبة، لم يكن بدّ من أحد الحرفين: يا ابناه أو واابناه، كقولك: وا زيداه ، و يا زيداه
. ( 75 )
القرآن والتّنغيم :
إذاً كانت الدلالات في
الكتابة تتحدّد بعلامات الترقيم، وتتحدّد في الكلام عن طريق التنغيم، فإنها في
القرآن الكريم لا تتحدد إلا بوساطة التجويد، وهو العلم الذي نصون به اللسان عن
الخطأ في لفظ القرآن.
ـــــــــــــــــــــــــــ
( 72 ) ابن
الجزري، النشر , تحقيق علي محمد الضباع , المطبعة
التجارية الكبرى , 1/231.
( 73 )انظر
: السيوطي، جلال الدين، الإتقان في علوم
العربية، دار الفكر ، 1/98.
( 74 ) انظر
: ابن جني أبو الفتح عثمان بن جني، المحتسب في تبين وجوه القراءات والإيضاح عنها،
تحقيق عبد الحليم النجار ، عبد الفتاح إسماعيل شلبي ، 1994، 1/352.
( 75 ) المصدر
السابق ، 1/322-323.
ولما كان كلام الله سبحانه
وتعالى منزّهاً أن يكون مثلَه كلامُ البشر؛ فإن التنغيم بمفهومه السالف لا يمكن أن
يقرأ به القرآن الكريم، وما ورد هنا من آيات قرآنية كان الغرض منها بيان التنغيم
باعتبارها شواهد على هذه الظاهرة.
ويبقى التجويد علامة دالّة
للقرآن لا تجوز القراءة فيه إلا به، وأعتقد أن تطبيق التنغيم عليه قراءةً من باب
المحال، وإن حاولنا ذلك فإننا نخرج عن السّمت الذي اختص به؛ كما لو جرّبت أن تجوّد
كلام البشر أو حتى الحديث النبوي الشريف، فإن ذلك يكون نشازاً.(76)
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 76 )
يوسف عبد الله الجوارنة , التَّنْغيم ودلالته في
العربيَّة , مجلة الموقف الأدبي , العدد
369 كانون الثاني 2002م , ص 43
الخاتمة :
هذا استعراض لبعض أراء النحاة والفلاسفة وعلماء
التجويد حول موضوع التنغيم ، و قد استقر بنا المطاف إلى أن هذا الموضوع قد تناوله
القدماء , و لكن بصورة تختلف عن الصورة العصرية ؛ إذ ساعدت الأجهزة الحديثة كثيراً
من الباحثين في التوصل إلى ما لم يتوصل إليه السابقون , و هذا لا يقدح في علمهم و
اجتهادهم , و هو موجود في التراث العربي تحت عدة مسميّات , و له صلة قوية , و دور في تحديد معنى الجملة , كذا بالتنغيم نستطيع فهم قضايا و تركيبات
لغوية قد تخفى على الكثير .
كما أن التوسع في إسقاط
التنغيم على القرآن الكريم أمر لا يقبله أهل الصنعة ؛ إذ هكذا تلقوه من أفاه
مشايخهم إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم , و لو كان شيئاً لنقل إليهم , و
المعول في ذلك هو أحكام التجويد .
و صلى الله على سيدنا محمد
و على آله و صحبه و سلم .
المراجع :
1 ـ القرآن الكريم .
2 ـ الأخفش الأوسط، أبو
الحسن سعيد بن مسعدة المجاشعي، تحقيق الدكتور فايز فارس، المطبعة العصرية، الكويت،
دار الكتب الثقافية، 1979م.
3 ـ إخوان الصفا، رسائل إخوان
الصفا وخلان الوفاء، بيروت، الدار الإسلامية، 1992م.
4 ـ الآمدي، أبو القاسم الحسن بن بشر
بن يحيى، الموازنة، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، ط1، القاهرة، 1944
5 ـ الأنطاكي، محمد، دراسات في
فقه اللغة العربية، دار الشرق العربي، بيروت.
6 ـ أنيس، د. إبراهيم، دلالة
الألفاظ، ط2، لجنة البيان العربي، القاهرة، 1963م.
7 ـ برجشتراسر، التطوّر النّحوي
للغة العربية، تحقيق: د. رمضان عبد التوّاب، مطبعة السماح، القاهرة، 1929م.
8 ـ البغدادي، عبد القادر، شرح
أبيات مغني اللبيب، تحقيق عبد القادر رباح، 1983م.
9ـ البيهقي , أبو بكر أحمد بن الحسين ,
شعب الإيمان , تحقيق : محمد السعيد بسيوني
زغلول , دار الكتب العلمية – بيروت ,ط 1 ، 1410هـ
10 ـ التبريزي، أبو زكريا يحيى بن
محمد، شرح القصائد العشر، تحقيق: د. فخر الدين قباوة، ط4، بيروت، (د.ت).
11 ـ الجاحظ، أبو عثمان عمرو بن
بحر، الحيوان، تحقيق: فوزي عطوي، ط1، مكتبة النوري، دمشق.
12 ـ ابن الجزري : النشر , تحقيق علي
محمد الضباع , المطبعة التجارية الكبرى
13 ـ ابن الجزري ؛ منجد المقرئين ومرشد
الطالبين تحقيق: محمد حبيب الله الشنقيطي , و أحمد محمد شاكر ، مكتبة القدس
بالأزهر، القاهرة , ط1
, 1980 م
14 ـ ابن جني، أبو الفتح
عثمان، الخصائص، تحقيق محمد علي النجار، ط2، دار الهدى للطباعة والنشر،
بيروت، 1983م.
15 ـ ابن جني، أبو الفتح عثمان،
المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها، تحقيق عبد الحليم
النجار، عبد الفتاح شلبي، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، لجنة إحياء الكتب،
القاهرة، مصر، 1994م.
16 ـ أبو حاتم الرازي، كتاب
الزينة، تحقيق حسين بن فيض الله الهمذاني، مطبعة الرسالة، 1958م.
17ـحسان، د. تمّام، مناهج البحث في
اللغة، دار الثقافة ، الدار البيضاء ، المغرب 1979.
18 ـ الحمد، د. غانم
قدوري، الدراسات الصوتية لدى علماء التجويد، ط1، مطبعة الخلود ببغداد، 1986م.
19 ـ الزركشي، بدر الدين محمد بن عبد
الله، البرهان في علوم القرآن، تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم، ط2، مطبعة عيسى
البابي الحلبي، القاهرة، 1972م.
20 ـ الزمخشري، أبو القاسم
محمود، الكشاف، القاهرة، 1948م.
21 ـ سامي عوض , و عادل علي نعامة ,
دور التنغيم في تحديد معنى الجملة العربية , مجلة جامعة تشرين للدراسات و البحوث
العلمية _ سلسلة الآداب والعلوم الإنسانية المجلد (28) العدد (1)2006
22 ـ سيبويه، أبو بشر عمرو بن عثمان بن
قنبر، الكتاب، ط2، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، لبنان، 1998م.
23 ـ سمير ستيتية ، منهج التحليل
اللغوي في النقد الأدبي ، مجلة آداب المستنصرية، الجامعة المستنصرية , العراق
, العدد 16، 1988م
24 ـ ابن سينا، أبو علي الحسن بن عبد
الله، الشفاء والخطابة، تحقيق محمد سليم سالم، الدار المصرية للتأليف والنشر،
القاهرة، 1954.
25 ـ السيوطي، جلال
الدين، الإتقان في علوم العربية، دار الفكر.
26 ـ السيوطي، جلال الدين، الأشباه
والنظائر، تحقيق: إبراهيم محمد عبد الله، منشورات مجمع اللغة العربية، 1986م.
27 ـ ابن الشجري، ضياء الدين أبو
السعادات، هبة الله بن علي بن حمزة العلوي، "الأمالي الشجرية" دار
المعرفة للطباعة والنشر، بيروت.
28 ـ عبد التواب، د.
رمضان، المدخل إلى علم اللغة ومناهج البحث اللغوي، ط2، مكتب الخانجي،
القاهرة، 1985م.
عبد الكريم مجاهد، الدلالة اللغوية عند
العرب، دار الضياء ، د. ت
عبد الكريم مجاهد، الدلالة الصوتية
والصرفية عند ابن جني، مجلة الفكر العربي، بيروت، ط26، 1982
29 ـ عمر بن أبي ربيعة،
الديوان، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، ط3، القاهرة، ، 1965م.
30 ـ الفارابي، ابن نصر محمد بن
طرخان، الموسيقى الكبير، تحقيق: غطاس خشبة، مراجعة وتصدير: محمود الحفني، دار
الكتاب العربي، القاهرة.
31 ـ الفرَّاء أبو زكريا يحيى بن زياد
، معاني القرآن، تحقيق: أحمد يوسف نجاتي، ومحمد علي النجار، طبعة دار الكتب
المصرية، 1955م.
32 ـ كابوتشان كراتشيا،
نظرية أدوات التعريف والتنكير وقضايا النحو العربي، ترجمة جعفر دك
الباب، دمشق، 1980م.
33 ـ كشك، د. أحمد، من وظائف
الصوت اللغوي، ط2، القاهرة، 1997م.
كمال بشر: علم الأصوات، دار المعارف،
القاهرة - مصر، 1986
.
34 ـ ابن مالك، شواهد التوضيح
لمشكلات الجامع الصحيح، تحقيق: د. طه محسن، ط2، 1413هـ.
35 ـ المبرِّد، أبو العباس محمد بن
يزيد، المقتضب، تحقيق: محمد عبد الخالق عضيمة، ط1، نشر المجلس الأعلى
للشؤون الإسلامية، أربعة أجزاء في أربعة مجلدات، القاهرة، 1385هـ ـ 1388هـ.
36 ـ أبو محمد بدر الدين حسن بن قاسم
بن عبد الله بن عليّ المرادي المصري المالكي , توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية
ابن مالك , شرح وتحقيق : عبد الرحمن علي سليمان ، دار الفكر العربي , ط 1, 2008م
37 ـ أبو بكر ، محمد بن القاسم
الأنباري النحوي، إيضاح الوقف والابتداء في كتاب الله عز وجل , تحقيق : محيي الدين
عبد الرحمن رمضان ، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق ، 1971 م .
38 ـ المسّدي، د. عبد السّلام، التفكير
اللسّاني في الحضارة العربية، الدار العربية للكتاب ليبيا، تونس، 1981م.
39 ـ أبو نعيم , أحمد بن عبد الله بن أحمد
بن إسحاق بن موسى بن مهران الهراني الأصبهاني , المسند المستخرج على صحيح الإمام مسلم
, , دار الكتب العلمية , بيروت - لبنان , 1996 م .
40 ـ ابن يعيش، موفق الدين يعيش بن
علي، شرح المفصَّل، عالم الكتب، مكتبة المتنبي، القاهرة.
41 ـ يوسف عبد الله
الجوارنة , التَّنْغيم ودلالته في العربيَّة
, مجلة الموقف الأدبي , العدد 369 كانون الثاني 2002م .
استفدت كثيرا من البحث وهو جيد من حيث الحمولة المعرفية والمنهجية
ReplyDelete