Wednesday, August 24, 2016

10 طرق تجعلك تحافظ على رغبتك في مهنة التعليم


بحث :التطور والتجديد في شعر القرن الأول الهجري






بحث بعنوان:

التطور والتجديد في شعر القرن الأول الهجري





إعداد:أ. موزة حمد المنصوري






المقدمة :
الشعر هو ديوان العرب الذي يعول عليه العرب في حفظ ماضيهم و مآثرهم ؛ حتى ينتقل إلى الأجيال القادمة ، و كان واضحاً جلياً أن محاولات العرب الأولى في نظم الشعر لم تصل إلينا، وإنما وصلنا شعر مكتمل النمو ، مستقيم الوزن ، تام الأركان ، ومما  يدل على ذلك قول امرئ القيس:
عُوجَا على الطّلَلِ المُحيلِ لَأنَّنَا.... نَبْكِي الدِّيَارَ كَمَا بَكَى ابنُ خذام ( 1 )
و ابن خذام هذا لم يصلنا من شعره شيء ، كما أن القصيدة الجاهلية كان لها بناء معين ، يسير عليه معظم الشعراء ، من البدء بالغزل و بكاء  الأطلال  ، ثم الوصف لراحلته ، و ما حوله في البيئة المحيطة أثناء رحلته ، و وصف ما يلاقى من أخطار و وحوش ، ثم الانتقال إلى الغرض الذي يقصده الشاعر من مدح أو فخر أو هجاء أو غير ذلك ، و قد يختم القصيدة بالحكمة ، أو قد تأتى في ثنايا القصيدة .
 إن الدعوة إلى التجديد ليست وليدة العصر الإسلامي ؛ بل إنها بدأت من العصر الجاهلي ، فمثلاً نجد شاعراً كبيراً مثل زهير بن أبي سلمى صاحب المعلقة المشهورة يدعوا إلى ثورة التجديد بقوله :‏
   ما أرانا نقول إلا معاراً‏ *** أو معاداً من لفظنا مكرورا‏
ووجدت هذه الدعوة قبولاً لدى الشعراء ، فنجد عنترة العبسي يحث على الهروب من أسار القصيدة التقليدية فافتتح معلقته بقوله:‏
 هل غادر الشعراء من متردم‏ *** أم هل عرفت الدار بعد توهم ؟ ( 2 )
ثم جاء الإسلام فتغير معه قيماً فكرية جديدة ، فبعد أن كان ( أعذب الشعر أكذبه ) أصبح أحسن الشعر أصدقه ، يقول حسان بن ثابت :‏
وإنما الشِّعْرُ لُبُّ المرْء يَعرِضُهُ***على المجالس إن كَيساً وإن حُمُقا
مربع نص: ( 3 )وإنّ أشعرَ بيتٍ أنــــــــــــــتَ قائلهُ***بَيْتٌ يُقالُ، إذا أنشـــدتَهُ، صَدَقا
و مع دخول الإسلام حدث تطور جاد ألمَّ بالشعر ، في المضمون ، و تطور في الأغراض والمعاني ، مع المحافظة على شكل القصيدة ، فقد أضفى الإسلام على الأغراض القديمة روح الإسلام و تعاليمه ، كما أوجد  أغراضاً جديدة كشعر الجهاد والفتوح والزهد والوعظ ، وتضاءل شأن
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 )انظر :محمود علي قراعة ، أدب العرب في الشعر الجاهلي ، مطبعة وادي الملوك – مصر ، ص 45 ، و ديوان امرؤ القيس ، عبد الرحمن المصطاوي ، دار المعرفة ، بيروت – لبنان ، ص 151، ط 2 ، 2004
( 2 ) انظر :محمود علي قراعة ، أدب العرب في الشعر الجاهلي ، مطبعة وادي الملوك – مصر ، ص 46
 ( 3 ) ديوان حسان بن ثابت ، شرح مهنا ، دار الكتب العلمية ، بيروت – لبنان ، ص 174، ط 2 ، 1994 م .
طائفة من أغراض الشعر التي كانت سائدة في الجاهلية كالشعر القبلي القائم على العصبية القبلية والمتصل بالأيام والوقائع والمفاخرات والشعر المتصل بالغزو والغارات ، و شعر الغزل المنافي لتعاليم الإسلام .
 و قد اتضح هذا التطور و التجديد جلياً في الشعر الأموي ؛ إذ ظهرت الأحزاب السياسية ، و تعددت الطوائف داخل الدولة الإسلامية ، فظهر الشعر السياسي ، و تطور الغزل ، فأصبحنا نرى لونا جديداً من الغزل ، كما في شعر عمر بن أبى ربيعة ، كما تطور المدح و الهجاء لدرجة كبيرة ، و هذا التطور لم تلغ فيه إلغاءً الأصول الفنية التقليدية الموروثة ، بل ظلت قوية بارزة .
  و في هذا البحث  سوف نلفي الضوء على التجديد و التطوير الذي حدث للشعر في عصر صدر الإسلام و بني أمية ، و قد قسمت البحث إلي بابين ، و عدة فصول .

















تمهيد :
 لقد نظم الشعراء قديماً قصائدهم حول عدة أغراض ، وهي :
1 – المدح :
يعد المدح من أهم الأغراض التي قال فيها شعراء الجاهلية شعرهم ؛ رغبة في العطاء  مما يدفع الشاعر إلى إتقان هذا الفن ، بل إن المتأمل في دواوين الشعر الجاهلي يجد أن المدح يحتل نسبة عالية من هذه الدواوين ، وهذا  و إن دل فإنما يدل على أنه الغرض المقدم على غيره عند الشعراء .
  و من أمثلة شعراء هذا الفن ، طرفة بن العبد ، و زهير بن أبي سلمى  ، والمتلمس .
يقول زُهير بن أبي سُلمي مادحاً «هرم بن سنان» و«حارث بن عَوف» في حَسم النزاع بين قبيلتَي «عبس و ذُبيان » :
تَدَارَكْتُـمَا عَبْسًــا وَذُبْيَانَ بَعــْدَمَــا*** تَفَـانَوْا وَدَقُّوا بَيْنهُمْ عِـطْرَ مَنْشَمِ
وَقَدْ قُلْتُمَا إِنْ نُدْرِكِ السِّـلْمَ وَاسِعاً ***بِمالٍ وَمَعْرُوفٍ مِنَ القـَوْلِ نَسْلم
فأصبحتما على خير موطن ***بعيدين فيها من عقوقٍ ومأثمٍ
مربع نص: ( 4 )  عظيمين في عُليا معدٍّ هُديتُما*** ومنْ يستبحْ كنزاً من المجدِ يعظم

2-  الهجـاء:
 كان الشاعر الجاهلي يجرد المهجو من المُثًل العليا التي تتحلى بها القبيلة، مثل الشجاعة ، و الكرم ، ويلحق به كل صفة ذميمة ؛ لذا كان كرام القوم و وجهاؤهم يخافون من الهجاء ويدفعون الأموال الطائلة للشعراء اتقاء لشرهم ، و فد يتسبب هذا الهجاء في قتل الشاعر ، أو وقوع حرب ضارية بين قبيلتين ، ومن أمثلة ذلك  هجاء زهير بن أبي سلمى الحارث بن ورقاء الأسدي الذي أخذ إبلاً لزهير ابن أبي سلمى ، وأسر راعي الإبل ، فقال فيه زهير أبياتاً منها
لئِنْ حَلَلْتَ بجَوّ في بَني أسَدٍ***في دينِ عمرٍو، وحالتْ بيننا فدكُ
مربع نص: (  5 )لَيَأتِيَنْكَ مِنّي مَنْطِقٌ قَذِعٌ***باقٍ، كما دنسَ القبطية َ الودكُ
ففزع  الحارث و رد عليه ما سلبه منه.


ـــــــــــــــــ
( 4 )  انظر ديوان زهير بن أبي سلمى ، شرح و تعليق :علي حسن فاعور ،دار الكتب العلمية ، بيروت – لبنان ، ص 105، ط 1 ، 1988 م
(  5 ) انظر : المصدر السابق   ، و انظر : شوقي ضيف، تاريخ الأدب العربي – العصر الجاهلي ، دار المعارف ، القاهرة – مصر ، ص ، 197- 198 ،
ط 24 ، 2003 م .
3 -   الرثــاء:
و هو عبارة عن مد للميت ، و نشر فضائله ، و إظهار الحزن والأسى والحرقة على فراقه  ، و من أشهر شعراء الرثاء ، الخنساء ، التي قتل أخوها معاوية في بعض المعارك ، فارتفع نشيجها ، و بكاؤها عليه ،و قتل أيضاً أخوها صخر ،فاتسع الجرح ، و التاعت لوعة شديدة ، و من روائع ما ندبت به صخراً :
تبكي لصخرٍ هي العبرَى وَقدْ ولهتْ***وَدونهُ منْ جديدِ التُّربِ أستارُ
تبكي خناسٌ فما تنفكُّ مَا عمرتْ***لها علَيْهِ رَنينٌ وهيَ مِفْتارُ
مربع نص: ( 6 )بكاء والهةٍ ظلّت أليفها *** لها حنينان: إصغارٌ وإكبارُ
4-  الفخر والحماسـة:
الفخر هو الاعتزاز بالفضائل الحميدة التي يتحلى بها الشاعر أو قبيلته ، أما الحماسة فهي الافتخار بخوض المعارك والانتصارات في الحروب ، فكل حماسة فخر ، و ليس كل فخر حماسة ، و من شعراء هذا الفن عنترة العبسي وعمرو ابن كلثوم ، ومن ذلك قوله في معلقة :
متى نَنْقُلْ إلى قوم رحـانا

يكونوا في اللقاء لها طَـحينا
يكونُ ثِفالُهَا شَرْقِيَّ نَجْـد

وَلَهْوَتُها قُضَاعَة أَجْمَعِينَا   ( 7 )
5 - الغــزل:
هو التحدث عن النساء ووصف ما يجده الشاعر حيالهن من صبابة وشوق وهيام، و كان الشعراء يصَدِّرون قصائدهم بالغزل لما فيه من تنشيط للشاعر  في قول الشعر، و للمستمع لذلك الشعر  ، ومن أجمل مطالع القصائد الغزلية قول المثقب العبدي:
أفاطمُ! قبلَ بيتكِ متِّعينى*** ومنعكِ ما سألتكِ أنْ تبينى
مربع نص: ( 8 )فإنِّى لوْ تخالفني شمالى*** خلافكِ ما وصلتُ بها يميني 
و كان عدد من شعراء الجاهلية يتعدون ذلك إلى وصف المرأة وصفاً كاملاً ، ومن هؤلاء الأعشى و امرؤ القيس الذي لا يتورع عن ذكر ما يجري بينه وبين المرأة.

ـــــــــــــــــــــــ
 ( 6 ) ) انظر : المصدر السابق   ، و انظر : شوقي ضيف، تاريخ الأدب العربي – العصر الجاهلي ، دار المعارف ، القاهرة – مصر ، ص ، 197- 198 ،
ط 24 ، 2003 م .
( 7 ) انظر : المصدر السابق ، ص 208 .
( 8 ) انظر : شوقي ضيف، تاريخ الأدب العربي – العصر الجاهلي ، دار المعارف ، القاهرة – مصر ، ص ، 214 ، ط 24 ، 2003 م

6 - الوصـف:
برع  شعراء الجاهلية  في وصف رحلاتهم ، و ما يرونه من حولهم ، و وصفوا الليل ، و الرياض والطيور ، بل إنهم لم يتركوا شيئاً تقع عليه أبصارهم إلا وقد أبدعوا في وصفه ، و هو غرض ليس مقصوداً لذاته ؛ بل ليتوصل به إلى غرضه المقصود ، يقول امرؤ القيس في قطعة بديعة في معلقته :
مربع نص: ( 9 )له أيطلا ظبي وساقا نعامة ... وإرخاء سرحان وتقريب تتفل 
7 - الاعــتذار:
هو استعطاف المرغوب في عفوه ، حيث يبين الشاعر ندمه على ما بدر منه من تصرُّفٍ سابق في حق المعتذر إليه ، وزعيم هذا الفن  في العصر الجاهلي هو النابغة الذبياني الذي قال أجود اعتذار قيل في ذلك العصر للنعمان بن المنذر ملك الحيرة ، كما جاء في قوله :
أتاني أبيتَ اللعنَ أنكَ لمتني***و تلكَ التي أهتمّ منها وأنصبُ
فبتُّ كأنّ العائداتِ فرشن لي***هراساً، به يُعلى فِراشي ويُقْشَبُ
مربع نص: ( 10 )حَلَفْتُ، فلم أترُكْ لنَفسِكَ ريبَة ً***وليسَ وراءَ اللَّهِ للمَرْءِ مَذهَبُ
لئنْ كنتَ قد بُلغتَ عني وشايةً***لَمُبْلغُكَ الواشي أغَشُّ وأكذَبُ
و الاعتذار من الأغراض الرئيسة ، بل إن الشاعر ينشئ القصيدة من أجله .
8 - الحكمـة:
الحكمة قول ناتج عن تجربة وخبرة ودراية بالأمور ومجرياتها، ولا يقولها إلا من عركته الأيام ، و وسمته بميسمها ، والحكمة لها الأثر البالغ في النفوس، فربما اشتهر الشاعر ببيت يشتمل على حكمة جيدة فيحفظه الناس و يتناقلونه ، وتشتهر القصيدة أو شعر ذلك الشاعر بسبب تلك الحكمة ، والحكمة ليست غرضاً مقصوداً لذاته وإنما هي من الأغراض التي تأتي في عروض الشعر، و من أشهر شعراء هذا الفن زهير بن أبي سلمى ، و الأفوه الأودى ، و علقمة بن عبدة الذي يقول :
والحَمدُ لا يُشتَرى إلاَّ لهُ ثَمَنٌ***مِمَّا تَضِنُّ بهِ النُّفوسُ مَعلومُ
والجودُ نافِيَة ٌ لِلمالِ مُهْلِكَة ٌ***والبُخلُ مبقٍ لأهليه ومذمومُ
وكلُّ بَيتٍ وإن طالَت إقامَتُه***على دَعائِمِه لا بُدَّ مَهدُومُ(11)

ــــــــــــــــــــــــــ
( 9 ) انظر : شوقي ضيف، تاريخ الدب العربي – العصر الجاهلي ، دار المعارف ، القاهرة – مصر ، ص ، 215 ، ط 24 ، 2003 م .
( 10 ) انظر : ديوان النابغة الذبياني ، شرح حمدون طماس ، دار المعرفة ، بيروت – لبنان ، ص ، ط 2 ، 2005 م .
 ( 11 ) انظر : شوقي ضيف، تاريخ الأدب العربي – العصر الجاهلي ، دار المعارف ، القاهرة – مصر ، ص  218 ، ط 24 ، 2003 م .
 





الباب الأول:

التطور والتجديد في شعر صدر الإسلام















الباب الأول:  التطور والتجديد في شعر صدر الإسلام:

  يقصد بعصر صدر الإسلام : الفترة التي تبدأ بالهجرة من مكة إلى المدينة ، و ينتهي بمقتل الإمام علي رضي الله عنه ، و قيام الدولة الأموية . ( 12 )
   و في هذه الفترة تغيرت حياة العرب بمجيء الإسلام تغيراً كلياً، ومن البديهة أن يتغير الشعر مع تغير هذه الحياة ، تجلى ذلك في مضمونه ، معانيه و ألفاظه ، فاستبدلت تعاليم الإسلام بالكفر والطغيان، والدعوة إلى الله بالدعوة إلى الظلم ، والفخر بالدين بالفخر بالقبيلة ، لكن دون تغير في الشكل العام له.
و ظل الشعر في صدر الإسلام، شأنه في العصر الجاهلي، ولكن تطوراً جاداً ألمَّ به من حيث الأغراض والمعاني ، فقد أوجد الإسلام أغراضاً جديدة كشعر الجهاد والفتوح ، و الدفاع عن الدعوة الإسلامية ، والإشادة بالرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، والحث على الجهاد ، ورثاء من استشهدوا في سبيل الله ، والفخر والانتصار بالفتوحات .
كذا ظهر أيضا شعر  الزهد والوعظ ، والشعر السياسي ، وتضاءل الشعر القبلي القائم على العصبية القبلية والمتصل بالأيام والوقائع والمفاخرات والشعر المتصل بالغزو والغارات ، و التشبيب بالنساء .
  والشعر لغة الوجدان ، و لقد كان للإسلام أثر عظيم في إثراء وجدان الشعر ، فانطلق فريق من الشعراء يؤكد الدعوة الإسلامية ، ويدافع عنها ، ومن أبرزهم : كعب بن مالك وحسان بن ثابت و عبد الله بن رواحة ، واتسم الشعر في هذه الفترة بالروح الديني .

                         




ــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 12 ) أحمد الفاضل ، تاريخ و عصور الأدب العربي ، دار الفكر اللبناني، بيروت – لبنان ، ص 71 ، ط 1 ، 2003 م .



الفصل الأول :أثر الإسلام على الشعر و الشعراء :
 يذهب بعض الباحثين إلى أن بعض فحول الشعراء تركوا الشعر ، و انصرفوا للقرآن الكريم ، و يضربون مثالاً على ذلك بالشاعر لبيد صاحب المعلقة ، يقول جورجي زيدان : و أكثر شعره في الجاهلية ، لأن الخلفاء الراشدين شغلوا الناس عن الشعر بالقرآن ، ذكروا أن عمر بن الخطاب بعث إلى المغيرة بن شعبة و هو على الكوفة يقول له .( استنشد من قبلك من شعراء مصرك ما قالوا في الإسلام ) . فأرسل إلى الأغلب الراجز العجلي ، فقال له أنشدني ، فقال :
                     أرجزاً تريد أم قصيدا       لقد طلبت هيناً موجودا
تم أرسل إلى لبيد ، فقال : أنشدني ما قلته في الإسلام ، فكتب سورة البقرة في صحيفة ، ثم أتى بها و قال :
( أبدلني الله هذا في الإسلام مكان الشعر ) فكتب المغيرة بذلك إلى عمر ، فنقص عمر من عطاء الأغلب خمسمائة ، و جعلها في عطاء لبيد . ( 13 )   يظن بعض دارسي الأدب أن الإِسلام حارب الشعر ، و حجته في ذلك قوله تعالى في سورة الشعراء ]والشَعَراءُ يَتبِعُهم الغَاوون. آَلمْ تَرَ أَنّهم في كُلِّ وادٍ يَهيمون. وأَنّهم يَقُولون ما لا يفعلونْ [ فإن الرد على هذا بأن يطلب من قائله إكمال الآيات فإن الله تعالى يقول بعدها :
] إلا الذين آمنوا وعَمِلُوا الصَّالحات وذَكَرُوا الله كَثيراً وانتصروا مِن بَعد ما ظُلموا وسَيَعْلَم الذين ظَلَموا أيَّ مُنْقَلب يَنْقَلبون [ فالشعر الذي حاربه الإسلام إنما هو الشعر  الفاسد من مناهج الشعراء ، فالصحيح أنه لم يحاربه لذاته و إِنما المعاني الغير شرعية منه .
و لذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يشجّع الشعر الجيد ، و كان يستمع إِليه و يعجب بما اشتمل عليه من حكمة ، حتى لقد قال :( إِن من البيان لسحرًا ، و إِن من الشعر لحكمة) ( 14 ) ، و لما استأذن حسان بن ثابت - رضي الله عنه - في الرد على المشركين أذن له و قال : ( اُهْجُهُمْ – أو هاجهم – و جبريل مَعكَ )
( 15 ) و في حديث عَمْرِو بْنِ الشّرِيدِ، عَنْ أَبِيهِ. قَالَ: رَدِفْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْماً. فَقَالَ: "هَلْ مَعَكَ مِنْ شِعْرِ أُمَيّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ شَيْءٌ؟" قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: "هِيهِفَأَنْشَدْتُهُ بَيْتاً. فَقَالَ: "هِيهِ" ثُمّ أَنْشَدْتُهُ بَيْتاًفَقَالَ: "هِيهِ" حَتّى أَنْشَدْتُهُ مِائَةَ بَيْتٍ .( 16 )
و هكذا كان الصحابة مع الشعر ، فما نفع من الشعر أو حَسُن قبلوه و شجعوه عليه ، و ما كان فيه ضرر أو قبح نبذوه و حاسبوا عليه .و قد ذكر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل ابن عباس رضي الله عنهما فقال : هل تروي لشاعر الشعراء ؟ قال ابن عباس : ومن هو يا أمير المؤمنين ؟ قال : ابن أبي سلمى. قلت: وبم صار كذلك ؟ قال : لأنه لا يتبع حواشي الكلام ، ولا يعاضل من المنطق ، ولا يمتدح الرجل إلا بما يكون فيه ( 17 )
ـــــــــــــــــــــــــــــ
( 13 ) جورجي زيدان ، تاريخ آداب اللغة العربية ،تعليق الدكتور شوقي ضيف ، دار الهلال ،د ط ، د ت
( 14 ) النيسابوري ، محمد بن عبد الله ، المستدرك على الصحيحين ، دار الكتب العلمية ، بيروت - لبنان ، ج 3 ،ص 710 ، ط 1 ، 1990 .
( 15 ) الحميدي ، محمد بن فتوح ، الجمع بين الصحيحين ، دار ابن حزم ، بيروت – لبنان ، ج 1 ، ص 238 ، ط 2 ، 2002 م .
( 16 ) نفس المصدر ، ص 375 .
( 17 ) واضح الصمد ، أدب صدر الإسلام ، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر و التوزيع ،بيروت – لبنان ، ص 99 ، ط 1 ، 1994 .
وكان عمر رضي الله عنه ينتقد الشعراء طبقاً لمعيار ما وافق الحق فهو حسن ، وقد استعدى تميم بن مقبل عمر بن الخطاب على النجاشي فقال يا أمير المؤمنين :هجاني فأعدني عليه قال : يا نجاشي ما قلت ؟ قال يا أمير المؤمنين ، قلت ما لا أرى علي فيه إثما وأنشد
    إذا عادى الله أهل قوم لؤم و رقة ... فعادى بني العجلان رهط ابن مقبل
    قبيلــة لا يغــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدرون بذمــة ... ولا يظــــــــــــــــــــلمون النـاس حبة خـردل
فقال عمر ليتني من هؤلاء فقال :
   ولا يردون الماء إلا عشية  ...  إذا صدر الوراد من كل منهل
فقال عمر : ما على هؤلاء متى وردوا ، فقال :
وما سمي العجلان إلا لقوله ... خذ القعب واحلب أيها العبد و اعجل
فقال عمر: خير القوم أنفعهم لأهله ، فقال تميم فسله عن قوله :
أولئك أولاد اللعين وأسرة الـ ... هجين ورهط الواهن المتذلل
فقال عمر : أما هذا فلا أعذرك عليه فحبسه وضربه". ( 18 )
 لقد كان الالتزام نابعا من القيم الإسلامية ،فكان الرسول صلى الله عليه وسلم يعاتب على الهجاء ، وقد كان ذلك سببا في امتناع أغلب الشعراء عن الهجاء ولذلك نجد حسان بن ثابت يشير إلى ذلك في قوله :
لولا النبي وقوله الحق مغضبة ... لما تركت لكم أنثى ولا ذكرا ( 19 )
وكذلك نجد الحطيئة الذي كان هجاءً عنيفاً، لم يكد يسلم من لسانه أحد، بل إنه هجا أمه وأباه ونفسه. وأكثر من هجاء الزبرقان بن بدر، وكان الحطيئة جاور الزبرقان بن بدرٍ، فلم يحمد جواره، فتحول عنه إلى بغيضٍ فأكرم جواره، فقال يهجو الزبرقان ويمدح بغيضاً:
ما كان ذَنْبُ بَغِيضٍ أَنْ رَأَى رَجْلاً ... ذَا حاجَة عاشَ في مُسْتَوْعَرٍ شَاسِ
جاراً لِقَـوْمٍ أَطـالُوا هُـونَ مَـــــــــــــــــنـْزِلِه ... وغــــــــــــــــــــــــــــادَرُوهُ مُقيماً بينَ أَرْمَـاسِ
مَلُّـوا قـرَاهُ وهَـرَّتْهُ كِـلاَبُهُــــــــــــــــــــــــــــمُ ... وجَـرَّحُوهُ بأَنْيــــــــــــــــــــــــــــــابٍ وأَضْـرَاسِ
دَعِ المَكَـارمَ لا تَـرْحَـــــــــــــــــلْ لِبُغْيَتِهَـا ...واقْعُـدْ فإِنَّكَ أَنْتَ الطَّاعِمُ الكَاسِى
ـــــــــــــــــــــــ
(  18 ) انظر : مقدمة ديوان النجاشي الحارثي ،صنعة و تحقيق صالح البكاري ، الطيب العشاش ، سعد غراب ،مؤسسة المواهب للطبع و النشر ، بيروت – لبنان ، ص 7 ، و 52 و 53 ، ط1 ، 1999 م ، و انظر أيضاً : ابن قتيبة الدينوري ، الشعر والشعراء ، ترجمة النجاشي الحارثي .
( 19 ) ديوان حسان بن ثابت ، شرحه و قدم له الأستاذ عبد الله مهنا، دار الكتب العلمية ، بيروت – لبنان ، ص153  ، ط 2، 1994 م .
فاستعدى عليه الزبرقان عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأنشده آخر الأبيات فقال له عمر: ما أعلمه هجاك، أما ترضى أن تكون طاعماً كاسياً؟ قال: إنه لا يكون في الهجاء أشد من هذا، ثم أرسل إلى حسان بن ثابت، فسأله عن ذلك، فقال: لم يهجه ولكن سلح عليه! فحبسه عمر، وقال: يا خبيث لأشغلنك عن أعراض المسلمين، فسجنه عمر بالمدينة ، فاستعطفه بأبيات ، فقال وهو محبوسٌ :  
ماذا أَرَدْتَ لأَفْرَاخٍ بذِي مَرَخٍ ... حُمْرِ الحَوَاصِل لا ماءٌ ولا شَجَرُ
أَلْقَيْتَ كاسِبَهُم في قَعْرِ مُظْلِمَةٍ ... فاغْفِرْ عليكَ سَلاَمُ اللهِ يا عُمَرُ
فرق له عمر وخلى سبيله، وأخذ عليه ألا يهجو أحداً من المسلمين.( 20 )
وقد سجن ضابي بن الحارث البرجمي في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه لأنه هجا فأفحش
وفى هذه الفترة  أيضاً انصرف الشعراء عن الأغراض التي كانت تجافى روح الدعوة الإسلامية ، كالفخر بالباطل ، والهجاء القبلي  ، ووصف الخمر ، ومجالس اللهو والغناء ، والغزل الصريح ، وقد كان للقرآن الكريم ، وحديث الرسول صلى الله عليه و سلم أثر واضح في الشعر ،فاستمد منه الشعراء الكثير من الألفاظ و الأساليب ، و المعاني والخيال .









ــــــــــــــــــــــــــــ
( 20 ) انظر : ابن قتيبة الدينوري ، الشعر والشعراء ، ترجمة الحطيئة ، و انظر : ديوان الحطيئة ، اعتنى به و شرحه : حمدو طماس ،دار المعرفة ، بيروت – لبنان ، ص 85 ، 86 ، ط 2 ، 2005 م .


الفصل الثاني :التطور و التجديد في شعر صدر الإسلام من حيث الشكل والمضمون:
أ -التطور و التجديد في شكل الأغراض الشعرية القديمة :
لم يطرأ على الشعر تغيير كبير في صدر الإسلام من حيث أساليبه وطرائقه الفنية ؛ لأنه - في الغالب - كان الشعراء عبارة عن رواة لشاعر مشهور ، يأخذ عنه طريقته ويحاكيه في أسلوبه  .
 يضاف إلى ذلك أن الكثرة من شعراء صدر الإسلام كانوا من مخضرمي الجاهلية والإسلام مثل الحطيئة وكعب بن زهير  والخنساء وحسان بن ثابت وكعب بن مالك والعباس بن مرداس وأبو ذؤيب الهذلي وحميد بن ثور والشماخ بن ضرار .
والتطور الذي طرأ على شعرهم منذ الإسلام إنما يتجلى في المعاني والأغراض ، فقد استحدثت أغراض جديدة وضمرت أغراض قديمة وأمد الإسلام هؤلاء الشعراء بزاد ثرٍ من المعاني والأفكار .
لم يخرج الشعر في صدر الإسلام في شكله عن الشعر الجاهلي، وذلك راجع لقرب العهد بهم ، كما أن معظمهم من المخضرمين ، حيث نجد قصيدة كعب بن زهير -رضي الله عنه- ، الملقبة بالبردة سارت مسار القصيدة الجاهلية، تغزل ثم ذكر الظعن و الظعينة فالناقة ثم ولج إلى الغرض الأساس مدح رسول الله ومدح المهاجرين ، فيقول:
بانَت سُعادُ فَقَلبي اليَومَ مَتبولُ***مُتَيَّمٌ إِثرَها لَم يُفدَ مَكبولُ
وَما سُعادُ غَداةَ البَينِ إِذ رَحَلوا***إِلّا أَغَنُّ غَضيضُ الطَرفِ مَكحولُ
تَجلو عَوارِضَ ذي ظَلمٍ إِذا اِبتَسَمَت***كَأَنَّهُ مُنهَلٌ بِالراحِ مَعلولُ
شُجَّت بِذي شَبَمٍ مِن ماءِ مَحنِيَةٍ***صافٍ بِأَبطَحَ أَضحى وَهُوَ مَشمولُ
تَجلو الرِياحُ القَذى عَنُه وَأَفرَطَهُ***مِن صَوبِ سارِيَةٍ بيضٍ يَعاليلُ
يا وَيحَها خُلَّةً لَو أَنَّها صَدَقَت***ما وَعَدَت أَو لَو أَنَّ النُصحَ مَقبولُ
لَكِنَّها خُلَّةٌ قَد سيطَ مِن دَمِها***فَجعٌ وَوَلعٌ وَإِخلافٌ وَتَبديلُ
فَما تَدومُ عَلى حالٍ تَكونُ بِها***كَما تَلَوَّنُ في أَثوابِها الغولُ
وَما تَمَسَّكُ بِالوَصلِ الَّذي زَعَمَت***إِلّا كَما تُمسِكُ الماءَ الغَرابيلُ
كَانَت مَواعيدُ عُرقوبٍ لَها مَثَلاً***وَما مَواعيدُها إِلّا الأَباطيلُ
حتى بلغ قوله:
أُنبِئتُ أَنَّ رَسولَ اللَهِ أَوعَدَني***وَالعَفُوُ عِندَ رَسولِ اللَهِ مَأمولُ
مَهلاً هَداكَ الَّذي أَعطاكَ نافِلَةَ ال***قُرآنِ فيها مَواعيظٌ وَتَفصيلُ
مربع نص: ( 21 )لا تَأَخُذَنّي بِأَقوالِ الوُشاةِ وَلَم***أُذِنب وَلَو كَثُرَت عَنّي الأَقاويلُ
                                               
يقول الدكتور شوقي ضيف : فلولا ما جاء في القصيدة من قوله :
أُنبِئتُ أَنَّ رَسولَ اللَهِ أَوعَدَني***وَالعَفُوُ عِندَ رَسولِ اللَهِ مَأمولُ
مَهلاً هَداكَ الَّذي أَعطاكَ نافِلَةَ ال***قُرآنِ فيها مَواعيظٌ وَتَفصيلُ
إِنَّ الرَسولَ لَنورٌ يُستَضاءُ بِهِ***مُهَنَّدٌ مِن سُيوفِ اللَهِ مَسلولُ( 22 )     
لما عرفنا أنها في مديح الرسول ، و لتبادر إلينا أنها في مديح سيد من سادة القبائل .

و التزم الشعراء بالمقدمات الطللية والغزلية وغيرهما برهة من الزمن، إذ كانوا يرونها تقليداً
أصيلاً ، ونظاماً لا ينبغي الخروج عنه ، إلا في المقطوعات القصار التي لا تحتمل مقدمات لقصرها.





















ــــــــــــــــــــــــــ
( 21 ) أبو سعيد السكري ، ديوان كعب بن زهير، شرح و دراسة د . مفيد قميحة ، دار الشواف للطباعة و النشر ، الرياض ، السعودية   ، ص 109 ، 110 إلى 114 ، ط 1 ، 1989 م .
( 22 ) شوقي ضيف ،  التطور و التجديد في الشعر الأموي  ، دار المعارف ، القاهرة - مصر ، ص 17، ط 8 ، د ت .
أ‌-       التطور و التجديد في مضمون الأغراض الشعرية القديمة :
  لقد أثر الإسلام تأثيراً بالغاً في شعر الشعراء ، إذ أدهشتهم فصاحته ،  و بلاغته ، و روعة أسلوبه ، مما جعل شعرهم يتأثر به ، في حياة الرسول صلى الله عليه و سلم ، و في عهد الخلفاء الراشدين ، يقول الدكتور شوقي ضيف : و قد أخذت روحانيات الإسلام تتعمق في نفوس أهل نجد ، و لعل خير من يمثل ذلك لبيد ، و النابغة الجعدي ، فأشعارهما تفيض بمواعظ كثيرة ، و قد قصر لبيد نفسه على تلك المواعظ ، يتغنى بها مخوفاً من كارثة الموت ، و يوم الحساب ، وداعياً إلى التقوى ، و العمل بها مخوفاً من  الصالح بمثل بيته المشهور :
              ألا كل شيء خلا الله باطل       و كل نعيم لا محالة زائل (23 )
   فنجد الألفاظ في هذا العصر قد رقت ولطفت وتغيرت دلالاتها، بمخالطتها للحاضرة، وهجر وحشي اللفظ ، وغريبه ، أما المعاني والصور فتباعد عنها الرمل وكثيبه، وقرب منها الديباج و لميسه، ورقت روح المعاني لرقة جسم المباني، وتجلت فيها قرائح الشعراء، الذين ما فتؤوا يبارون أسلافهم و يجارونهم ، فأجادوا وأحسنوا كقول جرير  :
      أَلَسْتُمْ خَيْرَ مَن رَكِبَ المَطايا ... وأَندَى العالَمِينَ بُطُونَ راحِ
وصار المرء يمدح لورعه وتقواه، ويهجى لفجوره ومعاصيه، واكتسى الرثاء معاني الإسلام، من غفران الله ورجاء الجنة والرضاء بقضاء الله وقدره .
- الفخر والحماسة
الحماسة هي التعبير عن عمق الشجاعة والجرأة ، و الفخر ذكر الصفات التي يتمايز بها الناس ، وقد تشرب الفخر عند شعراء صدر الإسلام بروح الإسلام ، وترك وراءه الولاء القبلي ولم يعد يفتخر بالعصبية القبلية بل ركز على معان جديدة للفخر تتمثل في الحرص على نيل الشهادة  ، والفخر بانتصار المؤمنين  ، و الافتخار بتأييد الملائكة .بالإضافة إلى القيم التي أبقى عليها الإسلام مثل إكرام الضيف والعفة والشجاعة  وغيرها  ، يقول حسان بن ثابت مفتخرا بجند الأنصار:
وَقَالَ اللَّهُ: قَدْ يَسّرْتُ جُنْداً***همُ الأنصارُ، عرضتها اللقاءُ
لنا في كلّ يومٍ منْ معدٍّ***سِبابٌ، أوْ قِتَالٌ، أوْ هِجاءُ
مربع نص: ( 24 )فنحكمُ بالقوافي منْ هجانا***ونضربُ حينَ تختلطُ الدماء
ــــــــــــــ
  ( 23) شوقي ضيف ،  التطور و التجديد في الشعر الأموي  ، دار المعارف ، القاهرة - مصر ، ص 19، ط 8 ، د ت .
   (24) ديوان حسان بن ثابت ، شرح مهنا ، دار الكتب العلمية ، بيروت – لبنان ، ص 19 ، ط 2 ، 1994 م .
- المديح :
تأثر شعر المدح كثيراً بتعاليم الإسلام ، فأصبح مدحاً دون تكسب، و انصب على الصفات الإيمانية الحميدة ، كما في قصيدة كعب بن زهير :
          إن الرسول لنور يستضاء به ***    مهند من سيوف الله مسلول
و قال حسان رضي الله عنه :
      نبي أتانـا بعـد يأس وفتـــــــــــــــــــرة *** من الرسل والأوثان في الأرض تعبد
      فأمسى سراجاً مستنيراً وهادياً*** يلوح كــــــــــــــــــــما لاح الصقيل المهنـد
      وأنذرنا ناراً وبشر جـــــــــــــــــــــــــــنة ***وعلمنا الإســـــــــــــــــــــــــلام ، فالله نحــمد
      وأنت إله الخلق ربي وخـــــــــالقي*** بذلك ما عمرت في الناس أشهد ( 25 )
وقال يمدح أبا بكر :
إذا تذكرتَ شجواً من أخي ثقة ٍ***فاذكرْ أخاكَ أبا بكرٍ بما فعلا
التاليَ الثانيَ المحمودَ مشهدهُ***وأولَ الناسِ طراً صدقَ الرسلا
والثانيَ اثنينِ في الغارِ المنيفِ، وقدْ***طافَ العَدُوُّ بهِ إذْ صَعَّدَ الجَبَلا
وكان حبَّ رسولِ اللهِ قد علموا***من البَرِيّة ِ لمْ يعدِلْ بهِ رَجُلا
( 26 )
 
خَيْرُ البَرِيّة ِ أبْقاها وأرْأفُها***بَعْدَ النبيّ، وأوْفاها بما حَمَلا

- الهجاء :
نظرا لاشتداد المعركة بين الكفر و الإيمان ، فقد برز من الشعراء المنافحين عن الدعوة الإسلامية حسّان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة ، وبرز من الشعراء المدافعين عن حزبي الكفر والنفاق أبو سفيان وعبد الله بن الزبعري ، فازدهر الهجاء ، وانتهج طريقاً مغايراً في معانيه عن الهجاء الجاهلي فكف عن أعراض الناس وعن شتمهم وقذفهم وتوجه إلى هجاء الذين ضلوا عن طريق الحقّ، وقد انبرى حسان منذ هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة للدفاع عن الإسلام وهجاء أعدائه ، خاصة أولئك الشعراء من قريش الذين كانوا يهجون رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ـــــــــــــــــــــــــــ
( 25 ) ديوان حسان بن ثابت ، شرح مهنا ، دار الكتب العلمية ، بيروت – لبنان ، ص 54 ، ط 2 ، 1994 م .
 ( 26 ) نفس المصدر ، ص 15.
فلما اشتد هجاؤهم للرسول صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« ما يمنع القوم الذين نصروا رسول الله بأسيافهم أن ينصروه بألسنتهم ؟ » فقال حسان: أنا لها، وأخذ بطرف لسانه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«كيف تهجوهم وأنا منهم ؟» فقال حسان: يا رسول الله لأسلنك منهم كما تُسلّ الشعرة من العجين، فسُرَّ الرسول صلى الله عليه وسلم به، وأكرمه ودعا له: أن يؤيده الله بروح القدس، ووعده الجنة جزاء منافحته عنه، ونصب له منبراً في المسجد الشريف ليلقي من فوقه شعر ، و طلب منه أن يذهب إلى أبي بكر ليعلم منه أنساب قريش ، فمن الأشعــار التي يهجو بها شعراء المشركين قوله من قصيدة ينافح بها عن النبي صلى الله عليه وسلم ويهجو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب الذي هجا الرسول صلى الله عليه وسلم:
        ألا أبلــغ أبا سفيان عني       فأنت مجوف نخب هواء
        بأن سيـوفنا تركتك عبداً        وعبد الدار سادتها الإماء
       هجوت محمداً فأجبت عنه        وعند الله في ذاك الجزاء
       أتهجوه ولستَ له بكفءٍ          فشركما لخيركما الفداء
إلى أن قال :
     فمن يهجو رسول الله منكم     ويمدحـه وينصُره سواء
    فإن أبي ووالده وعرضي         لعرض محمد منكم وقاء ( 27 )
و يقول : هاجياً بني سهم بن عمرو :
وَاللَهِ ما في قُرَيشٍ كُلِّهــــــا نَفَرٌ*** أَكثَرُ شَيخاً جَباناً فاحِشاً غُمُرا
أَزَبَّ أَصلَعَ سِفسيراً لَــهُ ذَأَبٌ*** كَالقِردِ يَعجُمُ وَسطَ المَجلِسِ الحُمَرا
هُذرٌ مَشائيمُ مَحـــــــــرومٌ ثَوِيُّهُمُ*** إِذا تَرَوَّحَ مِنهُم زُوِّدَ القَمَرا
أَمّا اِبنُ نابِغَةَ العَبدُ الهَجينُ فَقَد*** ُنحي عَلَيهِ لِساناً صارِماً ذَكَرا
أما بالُ أُمِّكَ راغَت عِندَ ذي شَرَفٍ***إلى جَذيمَةَ لَمّا عَفَّتِ الأَثَرا
( 28 )
 
حتى قال :
لَولا النَبِيُّ وَقَولُ الحَقِّ مَغضَبَةٌ*** لَما تَرَكتُ لَكُم أُنثى وَلا ذَكَرا

ــــــــــــــــــــ
( 27 )  ديوان حسان بن ثابت ، شرح مهنا ، دار الكتب العلمية ، بيروت – لبنان ، ص 21-22 ، ط 2 ، 1994 م .
( 28 )  المصدر السابق ، ص 135 ، 136  .

ويقول في مقطوعة يعير قريشا فيها بهزيمتها يوم بدر :
      فينا الرسول وفينا الحق نتبعه ***حتى الممات ونصر غير محدود
( 29 )
 
      مستعصمين بحبل غير منجذم *** مستحكم من حبال الله ممدود

وقد خرج حسّان بين الهجاء الفردي والجماعي ، وجمع بين منهجي الجاهلية والإسلام ، فكان يعيّر المشركين بفرارهم من أمام المسلمين :
تظلّ جيادنا متمطرات  ***    تلطمهن بالخمر النساء 

وقد نهى الإسلام عن الهجاء المقذع فقال الرسول : من قال في الإسلام شعرا مقذعا فلسانه هدر .
وموقف عمر بن الخطاب من الخطيئة فقد سجنه بعد أن هجا الزبرقان .

وهناك من يرى أن الإسلام لم يكن له أثر يذكر في تطور فن الهجاء ، وربما قصد ذلك الضرب المتعلق بالرد على المشركين ، والشعر في أوائل العهد الإسلامي ،يقول الدكتور شوقي ضيف : على كل حال لم يحدث في هذه الفترة انقلاب في هجاء المسلمين للمشركين بتأثير الإسلام و مثاليته إلا في حدود ضعيفة . ( 30 )

و يرجع السبب في ذلك أنهم لم يكونوا يعترفون بالإيمان ، و يفخرون بتمسكهم بدينهم ، و دين آبائهم ؛ لذا عارضهم حسان ، و كعب بمثل قولهم .( 31 )







ـــــــــــــــــــــــــــ
 ( 29 ) ديوان حسان بن ثابت ، شرح مهنا ، دار الكتب العلمية ، بيروت – لبنان ، ص 55 ، ط 2 ، 1994 م .
( 30 )شوقي ضيف ،  التطور و التجديد في الشعر الأموي  ، دار المعارف ، القاهرة - مصر ، ص 16، ط 8 ، د ت .
( 31 ) انظر : المصدر السابق ، ص 15 .

- الرثاء :
وهو فن استمر فيه شعراء صدر الإسلام والعصر الأموي على ما كان معروفا عند الجاهليين ، فندبوا وأنّبوهم وعزّوا أحياءهم وإن تغيرت مناقب التأبين وتبدلت شمائلها فأصبح المرثي يتصف بالتقوى والإيمان والخير والبر والرحمة و الهداية والطهر ومن ذلك تأبين حسان بن ثابت للرسول عليه السلام :
         بالله ما حملت أنثــى ولا وضعت   ***  مثل النبي رسول الرحمة الهادي
         ولا مشى فوق ظهر الأرض من أحد   ***  أوفــى بذمة جاد أو بميعاد
        من الـذي كان نـورا يستضاء به  ***  مبارك الأمر ذا حـزم و إرشاد
و يقول أيضاً :
مع المصطفى أرجو بذاك جواره*** وفي نيل ذلك اليوم أسعى وأجهد
ومن ذلك رثاء الشماخ بن ضرار الغطفاني لعمر بن الخطاب بعد أن طعنه أبو لؤلؤة المجوسي :
      جزى الله خيراً من أمير وباركت  ***  يد الله فـي ذاك الأديم الممزق
      فمن يسع أو يركب جناحي نعامة   ***   ليدرك ما حاولت بالأمس يسبق
      قضيت أمورا ثم غادرت بعدها    ***    بوائق في أكمامها لم تفتق ( 32 )
الغـــزل :
 لما أتى الإسلام أعلى شأن المرأة ، و رفع منزلتها ، و أحاطها بسياج يعاقب من اقتحمه ، و الشاعر في صدر الإسلام قد عايش مبدأ جديداً رفع شأن المرأة ، وبوأها مكانة مرموقة من خلال النصوص القرآنية :) وعاشروهن بالمعروف ( ) وهو الذي خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ( لذا لا نجد في شعر صدر الإسلام من الغزل ما كنا نراه في العصر الجاهلي ، ربما تديناً ، أو خوفاً من تطبق حدٍ عليه . 




ــــــــــــــــــــــ
 ( 32 )شوقي ضيف ،  التطور و التجديد في الشعر الأموي  ، دار المعارف ، القاهرة - مصر ، ص 19، ط 8 ، د ت .

الفصل الثالث: الأغراض الشعرية الجديدة :           
- شعر الدفاع عن رسول الله و نصرته :
ومع احتدام كل معركة بالأسنة كانت تنشب معركة أخرى موازية لها بالألسنة يجول فيها الشعر جولته ، مؤيداً بروح القدس على لسان حسان وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة وغيرهم من شعراء الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
يقول حسان بن ثابت :
نَبِيٌّ أَتانا بَعدَ يَأسٍ وَفَترَةٍ***مِنَ الرُسلِ وَالأَوثانِ في الأَرضِ تُعبَدُ
فَأَمسى سِراجاً مُستَنيراً وَهادِياً***يَلوحُ كَما لاحَ الصَقيلُ المُهَنَّدُ
وَأَنذَرَنا ناراً وَبَشَّرَ جَنَّةً***وَعَلَّمَنا الإِسلامَ فَاللَهَ نَحمَدُ
وَأَنتَ إِلَهَ الحَقِّ رَبّي وَخالِقي***بِذَلِكَ ما عُمِّرتُ في الناسِ أَشهَدُ
( 33 )
 
تَعالَيتَ رَبَّ الناسِ عَن قَولِ مَن دَعا***سِواكَ إِلَهاً أَنتَ أَعلى وَأَمجَدُ
لَكَ الخَلقُ وَالنَعماءُ وَالأَمرُ كُلُّهُ***فَإِيّاكَ نَستَهدي وَإِيّاكَ نَعبُدُ
- شعر الغزوات و الفتوحات  التي خاضها المسلمون :
 تأثر شعر الفتوحات الإسلامية بالروح الدينية كثيراً ، يقول الدكتور شوقي ضيف : و ستجد الروح الدينية تنفذ فيه نفوذاً قوياً ، فالشاعر يتغنى بشجاعته ، و بما قتل من أعدائه ، و يلم بفكرة الجهاد الديني في الحين بعد الحين على نحو ما نراه في هذه المقطوعة التي جرت على لسان قيس بن المكشوح المرادي عقب قتله لرستم قائد الجيوش الفارسية في موقعه القادسية إذ يقول :
   جلبت الخيل من صنعاء تردى *** بك مدجج كالليث سام
     إلى وادي القرى فديار كلب *** إلى اليرموك فالبلد الشآم
      و جئت القادسية بعد شهر***مسومة دوابرها دوامي
     فناهضنا هنالك جمع كسرى *** و أبناء المرازبة الكرام
     فلما أن رأيت الخيل جالت *** قصدت لموقف الملك الهمام
    فأضرب رأسه فهوى صريعاً *** بسيف لا أفل و لا كهام
ـــــــــــــــــــــــــــ
( 33 ) ديوان حسان بن ثابت ، شرح مهنا ، دار الكتب العلمية ، بيروت – لبنان ، ص 54 ، ط 2 ، 1994 م .
      و قد أبلى الإله هناك خيراً *** و فعل الخير عند الله نامي (34 )
و اللمسة الدينية واضحة في نهاية المقطوعة . و على هذا شعر الفتوح كله .
فقد كتب الشعراء الذين خاضوا تلك المعارك قصائد تمثل الانتصارات ، من ذلك قول كعب بن مالك بعد أن فتح الرسول خيبر :
       قضينا مـن تهامة كل وتـر *** وخيبر ثم أحجمنا السيوفا
     نخيّرها ولـو نطقت لقالت***  قواطعهنّ دوسا أو ثقيفا
     فلست لحاضنٍ إن لم تروها***  بساحة داركم منا ألوفا
     فننتزع العروش ببطن وجِّ *** ونترك داركم منا خلوفا
   ونردي اللات و العزى وودا*** ونسلبها القلائد والشنوفا  ( 35 )
ومن ذلك ما قاله حسان في فتح مكة
عَدِمْنَا خَيْلَنا، إنْ لم تَرَوْهَا***تُثِيرُ النَّقْعَ، مَوْعِدُها كَدَاءُ
يُبَارِينَ الأسنّة َ مُصْعِدَاتٍ***عَلَى أكْتافِهَا الأسَلُ الظِّماءُ
مربع نص: (  36  )تَظَلُّ جِيَادُنَا مُتَمَطِّرَاتٍ***تلطمهنّ بالخمرِ النساءُ
ومن ذلك قول عبد الله بن رواحة مصوراً شوقه للاستشهاد فيقول
مربع نص: (  37  )"لكنني أسأل الرحمن مغفرة ... وضربة ذات فرغ تقذف الزبدا"
أو طعنة بيدي حران مجهزة ... بحربة تنقذ الحشاء والكبدا
حتى يقال إذا مروا على جدثي ... يا أرشد الله من غاز وقد رشدا
و في نهاية عصر الخلفاء الراشدين ، كان هناك في الدولة الإسلامية كتلتان متناحرتان ، كتلة العراق الموالية لعلي بن أبي طالب ، و كتلة الشام الموالية لمعاوية بن أبي سفيان ، و كان للشعر دوره البارز في إشعال نار الفتنة بين الكتلتين، و استطاعت الشام يمثلها معاوية أن تنتصر على العراق التي كان







ــــــــــــــــــــــــــ
( 34 ) شوقي ضيف ،  التطور و التجديد في الشعر الأموي  ، دار المعارف ، القاهرة - مصر ، ص 20، ط 8 ، د ت .
( 35 ) ديوان كعب بن مالك،تحقيق سامي  العاني ، مكتبة النهضة ، بغداد – العراق ، ص 38 ، ط 1 ، 1966 م .
( 36 ) ديوان حسان بن ثابت ، شرح مهنا ، دار الكتب العلمية ، بيروت – لبنان ، ص 19 ، ط 2 ، 1994 م .
( 37 ) ديوان عبد الله بن رواحة ودراسة في سيرته وشعره ، تحقيق وليد قصاب ، دار العلوم للطباعة والنشر ، ص 36 ، ط 1 ، 1982 م .
يمثلها علي ، و صور شاعران في الإقليمين التنافس تصويراً واضحاً هذه النزعة ، فقال شاعر الشام:
ى الشام تكره ملك العرا ***  ق وأهل العراق لهم كَارِهِينَا
وقـالـوا على إمـام لـنا*** فقلنا رضينا ابن هند رضينا
وقال شاعر العراق:
( 38 )
 
أتاكم على بأهل الـعــراق*** وأهل الْحجاز فما تصنعونا
فإن يكره القوم ملك العراق*** فَقُدْمًا رضينا الذى تكرهونا
- شعر الشكوى :
عبر الشعراء في عصر صدر الإسلام عن التظلّم واليأس من سوء العلاقات الاجتماعية وتوزيع الأموال والمناصب السياسية إذ أن المجتمع الإسلامـــي ابتداء مـن موت الرسول عليه السلام قـد أخذ بالتحول البطيء باتجاه التخلي عـن القيم الإيجابية التي كان الإسلام قـد بدأ بغرسها فـي نفوس الناس ، فهـذا الحطيئة لا يستسيغ خلافة أبي بكر الصديق ويرفض أن تتحول الخلافة إليه أو إلى أحد أبنائه :
         أطعنا رسول الله إذ كان بيننا       فيا لعباد الله ما لأبي بكر
        أيورثها بكراً إذا مات بعده       وتلك وبيت الله قاصمة الظهر ( 39 )
- الشعر التعليمي :

ومن هذا الشعر الدعوى الخالصة منها  قول الشاعر عبدة الطبيب يوصي أبناءه
مربع نص: ( 40  )أُوصِيكُمُ بِتُقَي الإِلهِ فَإِنَّهُ *** يُعْطِي الرَّغائِبِ مَنْ يَشَاءُ ويَمْنَعُ
وبِبِرِّ وَالِدِكُمْ وطاعةِ أَمرِهِ *** إِنَّ الأَبَرَّ مِن البَنِينِ الأَطْوَعُ
وَاعْصُوا الَّذِي يُزْجِي النَّمَائِمَ بيْنَكم *** مُتَنَصِّحاً، ذَاكَ السِّمامُ المُنْقَعُ




ـــــــــــــــــــــــ
( 38 )شوقي ضيف ،  التطور و التجديد في الشعر الأموي  ، دار المعارف ، القاهرة - مصر ، ص 39، ط 8 ، د ت
( 39 ) المصدر السابق ، ص 96 .
( 40 ) المصدر السابق ، ص 21 .
الخصائص الفنية لشعر صدر الإسلام :
- التزام شعراء هذا العصر بالصدق في أشعارهم .
 - شيوع النثرية ،كذلك بروز ظاهرة الصياغة الحرفية للقرآن الكريم كقول الحصين المري
مربع نص: ( 41  )عوذ بربي من المخزيات ... يوم ترى النفس أعمالها
وخفّ الموازين بالكافرين ... وزلزلت الأرض زلزالها
- اختفاء بعض الأغراض الشعرية القديمة كوصف الخمر والغزل الفاحش والهجاء المقذع إلا ما اقتضته ظروف الرد على شعراء المشركين
- شيوع المعجم القرآني في شعر الإسلاميين فضلاً عن المعان والقيم الرفيعة التي بثها الإسلام .
- احتذاء المنهج القرآني في الاستقصاء والعمق والأفكار والمضامين وفي ترتيب المعاني وتسلسل الأفكار وترابطها مع الوضوح والبيان وترك المبالغة والغلو .
- التعبير عن العواطف الإنسانية النبيلة والربط بينها وبين الآخرة وقد انعكس ذلك على الأسلوب ، فاختفت الخشونة والقسوة ، وأصبحت الصياغات سلسة .
 - الخيال جاء تقليدياً ، من الأنماط الشائعة ، أو منقولاً نقلاً حرفياً عن القرآن الكريم .
- الشعر الإسلامي يكاد يخلو من عيوب القافية على نحو ما هو موجود في الشعر الجاهلي.
- يشير بعض الباحثين إلى أن الشعر الإسلامي يتميز بالرقة والوضوح وتهذيب اللغة .







ــــــــــــــ
( 41 ) شوقي ضيف ،  التطور و التجديد في الشعر الأموي  ، دار المعارف ، القاهرة - مصر ، ص 17، ط 8 ، د ت







الباب الثاني :


التطور والتجديد في شعر عصر بني أمية














الفصل الأول :
 التجديد و التغيير الذي طرأ على شكل القصيدة في هذا العصر:
سار شعراء العرب في الجاهلية في بناء قصائدهم على نمط معين  ، فهم لا يهجمون على أغراضهم ؛ و إنما يمهدون لها بمقدمات ، تبدأ بالوقوف على الأطلال أو الديار ، ثم الوصف ، ثم بدخل إلى غرضه الذي يريده ، هذا البناء التقليدي الموروث للقصيدة لجاهلية غدا نمطاً و مثالاً يحتذيه أكثر الشعراء ، و يعاب على الخروج عليه .
غير أننا نجد في هذا العصر شعراء تخلصوا من ربقة المثال الجاهلي في بناء القصيدة خاصةً شعراء الخوارج . ( 42 )  
يقول عمرو بن الحصين يرثي أبا حمزة و غيره :
هبَّت قُبيَل تَبلّجِ الفَجِر ***ِهندٌ تَقوُلَ ودَمعُها يَجري
إِذ أَبَصَرتَعينيَ وأَدُمعُها *** يَنَهُّلَ واِكفُهاَعلى النَّحِر
 أَنّى اِعتَراَكَ و ُكنَتَ عهِدَي لا *** سرَب الدُّموعَ وُكنَت ذاَصبِر
أقذى بِعَينِك ما يُفاِرقُها *** أَم عائِر أَم ما لَها تذري
أَمِ ذكُر إِخواٍن فجعَت بِهم ***َسلَكواَسبيلَهُمَ على قَدِر
 فَأَجبتُها بَل ذكُرَمصَرِعِهم *** لاَغيرهُ عبراتُها يمري
( 43 )
 
 ياَرِّب أَسِلكنيَ سبيلَهُم *** ذا العَرِشَ واِشدُد بِالتُّقى أَزري
في هذا العصر نلمح تغيراً كبيراً في الأغراض الشعرية نبتت مع تغير الحياة السياسية ، و الاجتماعية التي ألمت بالدولة الأموية ، يقول الدكتور شوقي ضيف : ...شعراء بني أمية نبتوا في جو جديد ،
فيه روحية و مثالية ، و فيه إيمان بعالم آخر فوق حسهم و شعورهم ، و أن هناك علة نهائية تدبر هذا الكون ، و تعنوا لها وجوه البشر و رقابهم .
و هذا كله طبع نفسية كثير من الشعراء في العصر الأموي بطوابع جديدة لم تكن مألوفة . ( 44 )



ــــــــــــــــــــ
( 42 ) انظر : محمد نافع المصطفى ، الموازنة بين شعر الخوارج و شعر الشيعة ، دار المصطفى ، ص 198 - 200 ، د ط ، 2001 م .
( 43 ) شعر الخوارج ، جمع و تقديم : إحسان عباس ، دار الثقافة ، بيروت – لبنان ، ص 223 ، 224 ، ط 2 ، 1974 م .
( 44 ) شوقي ضيف ،  التطور و التجديد في الشعر الأموي  ، دار المعارف ، القاهرة - مصر ، ص 61 ، ط 8 ، د ت

و المدقق في الشعر الأموي يجد أن الإسلام قد أثر في شعرائه ، بل إن تعاليمه تظهر جلياً في أشعارهم ، يقول الدكتور شوقي ضيف :
 ومعنى ذلك أن الحياة الدينية طوّرت الشعر الأموي وأثرت أثراً عميقاً في نفوس الشعراء، وأصبح من غير الممكن أن ينظموا شعراً لا تتضح فيه عناصر هذه الحياة، ومن أهم ماكان من ذلك أنهم أصبحوا لا يمدحون أحدا ولا يجون أحدا إلا وضعوا الصفات الدينية إيجابا وسلبا في مديحهم وهجائهم. واستمع إلى كُثيِّر يمدح عمر بن عبد العزيز:
وصدَّقْتَ بالفِعْلِ المقالَ مَعَ الذي***أتيتَ فأمسى راضياً كلُّ مسلِم
وَقَدْ لَبِسَتْ لُبْسَ الهَلُوكِ ثيابَهَا***تراءى لك الدُّنيا بكفٍّ ومعصمِ
وَتُومِضُ أحياناً بعينٍ مريضَة ٍ***وتَبْسِمُ عَنْ مِثْلِ الجُمَانِ المُنظَّمِ
فأعرضتَ عنها مشمئزّاً كأنّما***سقتك مدوفاً من سمامِ وعلقمِ
تركتَ الذي يفنى وإنْ كانَ مونقاً***وآثرْتَ ما يَبْقَى برأيٍ مُصَمِّمِ
( 45 )
 
وأضررتَ بالفاني وشمَّرت للّذي***أَمَامَكَ في يومٍ مِنَ الشّرِّ مُظلِمِ
المدح :
تطورت جوانب كثيرة من صور المدح تحت تأثير الروح الإسلامية الجديدة و تعاليمه ، ففـي العصر الأموي  اتجه المدح إلـى الخلفاء و الولاة والأمراء و أضفى الشعراء على ممدوحيهم صفات التقى و الورع و حماية المسلمين و الذوذ عن حرماتهم ، و إن بقي المدح أحياناً يشرئب إلى صفات المدح عند الجاهليين ، يقول الأخطل مادحاً بني أمية
( 46 )
 
تَمّتْ جُدودُهمُ، واللَّهُ فضَّلَهُمْ***وجدّ قومٍ سواهمْ خاملٌ، نكِدُ






ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 ( 45 ) شوقي ضيف ،  التطور و التجديد في الشعر الأموي  ، دار المعارف ، القاهرة - مصر ، ص 61 ، ط 8 ، د ت
( 46 ) المصدر السابق ، ص 134 .

( 47 )
 
و الأخطل كان ينظر في الشعر الجاهلي ، و يستعير منه كثيراً من الصور ، ولم يقف في ذلك عند حد التقليد ، بل كان يحاول التحوير في الصور ، و التجديد فيها ،فنوناً من التحوير و التجديد ، فهذا الأخطل  يأخذ من النابغة صورته التي صور بخا جود النعمان،إذ شبهه بالفُرات حين يعلو فيضانه ويشتد، فيجرف ما يلقاه في طريقه من نبات وأشجار، ولا يتكفي بذلك، بل يحاول أن يُحدث في الصورة طرافة جديدة ،وهي طرافة يستمدها أولا من التفصيل في صورة فيضان الفرات،وتعقبه وهو يسقط من جبال الروم في انحدار شديد تتدافع معه السيول والأمواج تدافعاً، ويستمدها ثانياً من المقارنة بين النعمان والفرات بالجود،أما الأخطل فيمدّ المقارنة إلى الجهارة والروعة ،فعبد الملك لا يشبه الفرات فقط في جوده، بل يشبهه أيضاً في جسامته وروعته وفخامته، وهذا هو معنى أن الشاعر الأموي كان يطلب التجديد في شعره ،يقول في مدح عبد الملك بن مروان :
فما الفُراتُ إِذَا هَـبَّ الرِّيَـاحُ لَـهُ*** تَرمِـي أواذيُّـهُ العِبْرَيـنِ بالـزَّبَـد

يَمُـدّهُ كُـلُّ وَادٍ مُتْـرَعٍ ، لجِـبٍ*** فِيهِ رِكَـامٌ مِنَ اليِنبـوتِ والخَضَـدِ

يَظَلُّ مِنْ خَوفِـهِ ، المَلاَّحُ مُعتَصِـماً*** بالخَيزُرانَة ، بَعْـدَ الأيـنِ والنَّجَـدِ
يَوماً ، بأجـوَدَ مِنـهُ سَيْـبَ نافِلَـةٍ*** وَلاَ يَحُولُ عَطـاءُ اليَـومِ دُونَ غَـد



و نجد الفرزدق يمدح الحجاج بصفات دينية لم تكن في الجاهلية كالتقى ،إذ يقول :
وَلمْ أرَ كالحَجّاجِ عَوْناً على التّقَى***وَلا طَالِباً يَوْماً طَرِيدَةَ تَابِلِ
( 48 )
 
بسَيْفٍ بهِ لله تَضْربُ مَنْ عَصَى***على قَصَرِ الأعناقِ فَوْق الكَواهلِ
و هذا ما نجده عند شعراء العصر الأموي ، فقد ضمنوا مدائحهم معان إسلامية جديدة لم يفكر فيها شاعر العصر الجاهلي، كما هو الحال عند جرير و الفرزدق .




ـــــــــــــــ
( 47 ) شوقي ضيف ،  التطور و التجديد في الشعر الأموي  ، دار المعارف ، القاهرة - مصر ،  ص139 ، ط 8 ، د ت
( 48 ) المصدر السابق، ص 146 .

و كان شعراء هذا النوع معظمهم يتكسبون منه ، غير أننا نجد بعضهم يستنكر التكسب من المدح ، فهذا عمران بن حطّان قد استنكر المدح التكسبي فنجده يقول  :
           أيهـا المادح العباد ليعطى  ***  إن لله ما بأيدي العباد
          فاسأل الله ما طلبت إليهم  ***  و ارج فضل الله المقسم العواد
         لا تقل في الجواد ما ليس فيه ***  و تسم البخيل باسم الجواد ( 49 )
الهجاء :
تطورت جوانب كثيرة من صور الهجاء تحت تأثير الروح الإسلامية الجديدة ، ففي هذا العصر نجد شعراء الهجاء يتقيدون دائماً بأن يردوا على خصومهم بقصائد من نفس الوزن و القافية ، أو بعبارة أخرى من نفس الألحان والنغمات التي صاغ فيها الخصوم شعرهم ، و هجاءهم
انظر إلى قول الأخطل :
فاخسأ إليكَ كليبٌ، إن مجاشعاً***وأبا الفوارسِ نهشلاً أخوانِ.  ( 50 )
فيجيبه جرير بقوله :
( 51 )
 
ياذا العباية إن بشرا قد قصى *** أن لا تجوز حكومة النسوان

و كان الهجاء منظماً يستمر يومياً استمراراً متصلاً ، كما أصبح يراد به اللهو لا الجد كما كان قديماً ، و كان قديماً الشاعر يعبر عن نفسه ، أما في العصر الأموي فأصبح يعبر عن قبيلة يتحدث باسمها .
و صورة جديدة من الهجاء ، و هو الهجاء بالدين ، يقول الطرماح يهجو تميماً ، و ينصر قومه الأزد:
( 52 )
 
و حان ورد تميم ثم قيل لهم ... حوض الرسول عليه الأزد لم ترد
أو أنزل الله وحيا أن يعذّبها ... إن لم تعد لقتال الأزد لم تعد

وهكذا عادت العصبية القبلية ، وما تحمله من هجاء قبلي .
ــــــــــــــ
 ( 49 ) محمد نافع المصطفى ، الموازنة بين شعر الخوارج و شعر الشيعة ، دار المصطفى ، ص 115 ، د ط ، 2001
( 50 ) المصدر السابق ، ص 163 .
( 51 ) المصدر السابق ص 168 .
( 52 ) المصدر السابق، ص 65 .



وقد أوقع سوء الحظ شاعرا يقال له الراعي النميري في عداء جرير لأنه فضل الفرزدق على جرير فهجاه جرير بقصيدة هدم فيها قبيلته مع إنه من بيت عز وشرف ومنها قوله :
             فغض الطرف إنك من نمير *** فلا كعبا بلغت ولا كلابا 
و لم يلبث الراعي أن انصرف من مجلس الفرزدق ، يعلوه الخزي و الصغار ،  و اتجه تواَ إلى منازل قبيلته نمير في نجد و هو يردد : فضحنا والله جرير ، و هم يقولون : هذا شؤمك . ( 53  )
فكان الهجاء السياسي والهجاء المذهبي و الهجاء الفرقي الطائفي كقول الأخطل في هجاء الأنصار
          ذهبت قريش بالمكارم و العلى      واللؤم تحت عمائم الأنصار
         فذروا المعالي لستموا من أهلها      وخذوا مساحيكم بني النجار ( 54 )
ومنه الصراع القبلي الذي أدى إلى انقسام العرب إلى يمانية و مضرية ، كما أن الهجاء بين الأحزاب السياسية استعرت ناره وتحول إلى نقاش سياسي .
الوصف :
ضعف الوصف في هذا العصر بالرغم من حدوث تطور كبير في كل مجالات الحياة فقد ظل الشاعر الأموي يصف ما وصفه شعراء الجاهلية مثل  الناقة و الظعن والأطلال ومجالس الخمر ، ومن الشعراء الذين اشتهروا بالوصف  ذو الرمة و الأخطل .
الفخر :
واتجاه عاد إلى التفاخر بالآباء في الجاهلية وذلك في العصر الأموي بعد أن أعاد الأمويون نزعات القيسية واليمانية ، ولقد برع الفرزدق براعة فائقة في الفخر، ذلك لأن شرف آبائه وأجداده قد مهد له سبيل القول بالفخر، وتطاول على جرير وتحداه أن يأتيه بمثل آبائه وقومه:
      أولئك آبائي فجئني بمثلهم *** إذا جمعتنا يا جرير المجامع
أما الخوارج فقد تنكروا للعصبية القبلية وللتفاخر بالأنساب وأن لا شرف للمرء إلا بتقواه  :
           أبي الإسلام لا أب لي سواه ***   إذا فخروا ببكـر أو تميـم
          كلا الحيين ينصر مدعيه***  ليلحقه بذي الحسب الصميم 
          وما حسب ولو كرمت عروق***ولكنّ التقيّ هو الكريــم ( 55 ) 
ـــــــــــــــــ
( 53 ) محمد نافع المصطفى ، الموازنة بين شعر الخوارج و شعر الشيعة ، دار المصطفى ، ص 244 ، د ط ، 2001
( 54 ) المصدر السابق  ، ص 133
( 55  ) المصدر السابق ، ص 99
الرثاء
بقي الرثاء على ما هو عليه في الجاهلية و الإسلام غير موسع إلا أنه ظهر فيه فن جديد هو رثاء الخلفاء و الأمراء والقادة ، وكان في أكثر الأحيان تقليدياً طمعاً في التكسب والمال وبعضه ذو عاطفة فياضة عندما يكون المرثي ذا علاقة بالشاعر .
و أشهر شعراء الرثاء هم الأخطل وجرير وليلى الأخيلية .
وقد يتناول الرثاء زوجة محببة لدى الشاعر تمنعه العادات أن يزور قبرها ، يقول جرير يرثي زوجته أم حزرة   :
لولا الحياء لعادني استعبار***ولزرت قبرك والحبيب يزار
ولهت قلبي إذ علتني كبرة***وذوو التمائم من بنيك صغار 
و لقد أراك كسيت أجمل منظر***و مع الجمال سكينة و وقار
صلى الملائكة الذين تخيروا *** والصالحون عليك والأبرار ( 56 )
أما رثاء الخوارج فيصف مناقب العُباد من قيام الليل وصيام النهار ، يقول عمران بن حطان راثياً أبا بلال الخارجي
        لقـد زاد الحيـاة إلي بغضاً *** و حبـاً للخروج أبو هـلال
        أحاذر أن أموت على فراشي*** و أرجو الموت تحت ذرا العوالي
       و لـو أني علمت بأن حتفي***كحتف أبي بلال لـم أبـالي
       فمن يـك همه الدنيـا فإني*** لها و الله رب البيـت قـال ( 57 )
و هذا لون من الرثاء جديد ، يندب القاعدين ، و يدعوهم للخروج إلى مجالدة الظالمين .






ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 56 ) شوقي ضيف ، سلسله تاريخ الأدب العربي - العصر الإسلامي ، دار المعارف ، القاهرة - مصر ، ص 286 ، ط 20 ، 2002 م .
( 57 ) محمد نافع المصطفى ، الموازنة بين شعر الخوارج و شعر الشيعة ، دار المصطفى ، ص 99 ، د ط ، 2001 .
 
الفصل الثاني:الأغراض المبتكرة و التي توسع فيها الشعراء الأمويون بحيث أصبحت أغراضاً جديد ة .
الغز ل :
تطورت جوانب كثيرة من صور الغزل في هذا العصر ، فإلى جانب الغزل العذري أو العفيف ، أصبحنا نرى شعراء تخصصهم الغزل ، و من نوع آخر و هو الغزل الصريح ، و ذلك يعكس نوع الحياة التي كان يعيشها هؤلاء الشعراء ،  مدى ضعف تعاليم الإسلام عندهم ، عكس شعراء صدر الإسلام ، إلا أننا نجد الجانب الإيماني في هذا اللون من الشعر .
يقول ابن أبي ربيعة :
ألا يا من أحبَّ بكل نفسي*** ومن هو من جميع الناس حسبي
ومن يظلم فأغفره جميعا***  ومن هو  لا يهمّ  بغفر  ذنبي
و يقول جميل :
ألا تتقين الله فيمن قتلته *** فأمسى إليكم خاشعاً يتضرّع
و يقول كثير :
ولا تيأسا أن يمحو الله عنكما*** ذنوباً إذا صلّيتما حيث صلّت
ويقول مجنون ليلى :
( 58 )
 
عفا الله عن ليلى الغداة فإنها *** إذا وليت حكما على تجورُ

( 59 )
 
و من أبرز المجددين في هذا اللون من الشعر عمر بن أبي ربيعة ،و الجديد في غزل عمر هو المرأة التي يتغزل فيها ، فهي متحضرة ، أتيح لها ما لم يتح للمرأة في العصر الجاهلي ، كما أنه لم يكن عاشقاً ؛ بل معشوقاً ، و لم يكن طالباً ؛ بل مطلوباً ، كما أن شعره يقوم على الحوار بينه ، و بين المرأة  ، يقول عمر :
لو دبّ ذرٌّ فوق ضاحي جلدها*** لأبان من آثارهن حدورٌ

ـــــــــــــــــــــــــــ
( 58 ) شوقي ضيف ،  التطور و التجديد في الشعر الأموي  ، دار المعارف ، القاهرة - مصر ، ص 66، ط 8 ، د ت
( 59 ) انظر : المصدر السابق، ص 226 .

( 60 )
 
فإذا قلنا بعد إن غزل عمر لون جديد في الشعر العربي لم يكن من الممكن أن يوجد قبل العصر الأموي لم نكن مجاوزين للواقع في شيء، لأنه في حقيقته إنما يصور عواطف المرأة العربية التي تحضّرت في هذا العصر، وغير معقول أن توصف المرأة العربية المتحضرة في شعر العصر الجاهلي لأنه عصر بداوة، أما عصر ابن أبي ربيعة فهو عصر الحضارة، وهو العصر الذي يتيح لهذه المرأة أن توجد،ثم يتيح للشاعر أن يصفها في شعر أو غزله.

( 61 )
 
وليس هذا كل ما يلاحظ فيه من جديد،فهناك جديد ثان لم نتحدث عنه حتى الآن وهو أن عمر استطاع أن يكتب في هذا الغزل ديوانا ضخما، وهذه أول مرة نجد شاعرا عربيا يكتب ديوانا في الغزل.
الشعر السياسي :
يقصد به الشعر الذي قيل في الأمور السياسية ونظام الحكم سواءً كان موالياً للدولة والخلافة الأموية أو معارضاً لها ، و لقد تأثر الشعر السياسي تأثيراً بالغاً بالحياة الدينية،  يقول قطري بن الفجاءة :
أَقولُ لَها وَقَد طارَت شَعاعاً***مِنَ الأَبطالِ وَيحَكِ لَن تُراعي
فَإِنَّكِ لَو سَأَلتِ بَقاءَ يَومٍ***عَلى الأَجَلِ الَّذي لَكِ لَم تُطاعي
فَصَبراً في مَجالِ المَوتِ صَبراً***فَما نَيلُ الخُلودِ بِمُستَطاعِ
وَلا ثَوبُ البَقاءِ بِثَوبِ عِزٍّ***فَيُطوى عَن أَخي الخَنعِ اليُراعُ
( 62 )
 
سَبيلُ المَوتِ غايَةُ كُلِّ حَيٍّ***فَداعِيَهُ لِأَهلِ الأَرضِ داعي
  و من المعلوم أن الجاهليين ليس لديهم شعر سياسي بالمفهوم العصري لمعنى كلمة سياسة ، إذ إن القبيلة هي الدولة المصغرة التي ينتمي إليها الإنسان الجاهلي و دفاعه عنها دفاع عن حدود مناطق الرعي فيها ، و إذا كان هناك بعض الممالك قد بدأت تتبلور فإن الإسلام قد جاء و قطع الطريق عليها ، فأنشأ نظاماً جديداً للحياة السياسية المتمثلة بإيجاد خليفة واحد يدافع عن حمى الأرض التي فتحت ، و لكن خلاف المسلمين حول مفهوم الخلافة ، هذه الخلافة لمن تكون و كيف تكون جعل المسلمين ينقسمون إلى أحزاب سياسية تمثلت في
الحزب الأموي ، الحزب الخارجي ، حزب الشيعة ، الحزب الزبيري .
ـــــــــــــــــــــــــ
( 60 ) شوقي ضيف ،  التطور و التجديد في الشعر الأموي  ، دار المعارف ، القاهرة - مصر ، ص 236، ط 8 ، د ت
( 61 ) انظر : المصدر السابق ، ص 236 .
( 62 ) انظر:  المصدر السابق ، ص 67 ، 68  .
أولاً :الحزب الأموي :
 وتزعم هذا الحزب الخلفاء ورجال الدولة وتحزب معهم بعض القبائل العربية كربيعة وكلب ، وفكرة هذا الحزب أن قادته كسبوا الخلافة عن طريق الحرب ، فلهم الحق فيها ، وكذلك لهم نسب عريق وماض مجيد ، وهم من قبيلة قريش سيدة قبائل العرب .
و قد قام شعراء ينافحون ، و يدافعون عن هذا الحزب ، و ينتصرون له ، ومن الشعراء في هذا الحزب الأخطل و والفرزدق و العرجي ، و لعلنا نؤكد أن الأخطل خلع على بني أمية اصطفاء الله لهم بالخلافة ، ذلك من قوله :
         تمت جدودهم و الله فضلهم *** و جد قوم سواهم خامل نكد
        و يوم صفين و الأبصار خاشعة***أمدهم إذ دعوا من ربهم مدد
         و أنتم أهل بيت لا يوازنهم*** بيت إذا عدت الأحساب و العدد ( 63 )
ثانياً:الحزب العلوي ( الشيعة ) :
   وهم أتباع الإمام علي رضي الله عنه ، ويرون الخلافة من حقه ، ولأولاده من بعده ، وأنه أحق الناس بها ؛ لقرابته من رسول الله صلى الله علية وسلم ، وزوج ابنته رضي الله عنها ، وعرف عن زعماء هذا الحزب مغالاتهم في محبتهم آل علي رضي الله عنهم ، و يقصرون كلمة آل البيت عليهم ، كما عرف عنهم كرههم الشديد للأمويين وخلفائهم ؛ ومن شعراء هذا الحزب كُثَيِّر و الكميت الأسدي ، الذي طالما دعا إلى الخروج على الولاة الأمويين الظالمين كما في قوله : 
ألا أبلغ جماعة أهل مرو***على ما كان من ناءٍ وبُعدِ
رسالة ناصح يهدي سلاماً***ويأمر في الذي ركبوا بجَدِ
فلا تهنوا ولا تَرضوا بخف***ولا يغرركم أسد بعهدِ
وإلا فارفعوا الرايات سودا***على أهل الضلالة والتعدي.( 64 )

و ديوان الشعر في هذا الباب خرج عن صورته القديمة ، و أصبح مقالة شعرية
ثالثاً:شعر الخوارج السياسي  :
الخوارج هم الذين خرجوا على علي بن أبي طالب بعد أن قبل بمسألة التحكيم بينهم و بين معاوية ، ذلك أن معركة صفين قد أوشكت نهايتها على فوز جيش علي ممّا جعل معاوية و جماعته
ــــــــــــــــــــــ
( 63 ) شوقي ضيف ،  التطور و التجديد في الشعر الأموي  ، دار المعارف ، القاهرة - مصر ، ص 134، ط 8 ، د ت.
( 64 ) المصدر السابق ، ص، ص 281 .
يرفعون المصاحف طلباً للتحكيم ، و قد زعم هؤلاء الخوارج الذين انشقوا عن علي أن مسألة التحكيم خدعة ، و لكنّ علي قَبِلَ به لأنها تطلب تحكيم القرآن الكريم في هذا الخلاف ، و ما كان لخليفة مثل علي أن يرفض التحكيم ، و قد شكلت هذه الفرقة جيشاً عنيداً رأى أن الجهاد ركناً أساسياً من أركان الإسلام ، و كان من أسمائهم  " الشُّراة ، المحكمة ، الخوارج ، الحَروريّة "  ، و اعتقدوا  أنّه لا حكم إلاّ لله ، و هي مقولة حق أريد بها باطل ، و أنه لا يجوز تعيين خليفة للمسلمين ، و قد خرجوا إلى بلاد ما وراء النهر ، و قد انقسموا  إلى طوائف متعددة منهم : النجدات و الأزارقة و الإباضية و الشفرية ، و أشدهم تعنتاً الأزارقة الذين يرون أن القعود عن الجهاد إثم كبير ، وأن الخليفة ليس بالضرورة أن يكون من القرشيين أو من العرب .
ومن أشهر شعراء الخوارج : " قطري بن الفجاءة ، الطّرمّاح بن حكيم الطائي ، عمران بن حطّان ، و عمرو بن الحصين ، يزيد بن حسباء " . وقد عبر قطري عن رؤية الخوارج في القتال فقال :
      لعمرك إني في الحياة لزاهد *** وفي العيش ما لم ألق أمّ حكيم
      من الخفرات البيض لم ير مثلها***شفاء لذي بثّ ولا لسقيم
      لعمرك إني يوم ألطم وجهها***على نائبات الدّهر جدّ لئيم
      ولو شهدتني يوم دولاب أبصرت***طعان فتى فـي الحرب غير ذميم ( 65 )
ويقول عيسى بن فاتك الحبطي حينما هزم أربعون من الخوارج ، ألفين من جند عبيد بن زياد في معركة آساه :
     أألفا مؤمن فيما زعمتم***و يهزمهم بآسك أربعونا
    كذبتم ليس ذاك كما زعمتم***ولكن الخوارج مؤمنونا
   هم الفئة القليلة غير شكّ*** على الفئة الكثيرة ينصرونا ( 66 )
 و يقول الشاعر الطرماح :
لقدْ شقيتُ شقاءً لاَ انقطاعَ لهُ ***إِنْ لَمْ أَفُزْ فَوْزَة ً تُنْجِي مِنَ النَّارِ
( 67 )
 
والنَّارُ لمْ ينجُ منْ روعاتِها أحد*** إِلاَّ المُنِيبُ بِقَلْبِ المُخْلِصِ الشَّارِي
أوِ الَّذي سبقتْ منْ قبلِ مولدِهِ*** لَهُ السَّعَادَة ُ مِنْ حَلاَّقِها البَارِي

ــــــــــــــــــــــ
( 65 ) محمد نافع المصطفى ، الموازنة بين شعر الخوارج و شعر الشيعة ، دار المصطفى ، ص 99 ، د ط ، 2001
( 66 ) المصدر السابق ، ص 99 .
( 67 ) شعر الخوارج ، جمع و تقديم : إحسان عباس ، دار الثقافة ، بيروت – لبنان ، ص 237 ، ط 2 ، 1974 م .

رابعاً:الزبيريون :
وهم أتباع عبد الله بن الزبير - رضي الله عنهما - الذي أقام إمارته في مكة المكرمة وما حولها ، و أتباع أخيه مصعب بن الزبير الذي أقام إمارته في البصرة ، وحكما لعدة سنين ، وقد ظهر هذا الحزب بعد مخالفة ابني الزبير  لمعاوية رضي الله عنه على وراثية الحكم ، وتجمع حولهما الكثير من القبائل العربية التي تؤيد رأيهما ، وقد ظل هذا الحزب سرياً في عهد معاوية ، و أعلن عنه زمن ابنه يزيد ، و استقل عبد الله بن الزبير في الحجاز ، و مصعب في البصرة ، ودام حكمه عشر سنوات.  ومن أشهر شعراء هذا الحزب عبد الله بن قيس الرقيات ومن شعره :
        حبذا العيش حين قومي جميع***   لم تفرق أمورها الأهواء
       قبل أن تطمع القبائل في ملـ  ***   ك قريش و تشمت الأعداء
       و يمضي فيرد على الخوارج و أشباههم ... فيقول :
       أيها المشتهي فناء قريش   ***   بيد الله عمرها والفناء
     إن تودع من البلاد قريشٌ   *** لا يكن بعدهم لحي بقاء ( 68 )
النقائض :
هي قصائد يرد الشاعر فيها على خصمه الشاعر أو خصومه من الشعراء إلا أنها تتميز في الاشتراك في الوزن والقافية والروي ، وهو نوع من الشعر يعتبر متطور من الهجاء الجاهلي ، وكانت النقائض تأخذ شكل مناظرات أدبية كبيرة .( 69 )  
 و لعلها أتت على غرار المناظرات الدينية في مسائل التشريع ، و القضاء و القدر .
 و كانت النقائض تقوم على عنصر تاريخي يقوم على الثقافة بتاريخ القبائل القديم ، و الحديث . وأهم شعراء هذا الفن الفرزدق و الأخطل وجرير  .
وقد كانت النقائض استمراراً لما حدث في العصر الجاهلي من نقائض ، كما حصل بين حسان و ابن الزبعرى ، عندما ذكر ابن الزبعرى أخت حسان بن ثابت ( عمرة ) .
 وقـد نشأ هذا الفن وتطور في العصر الأموي بفعل عوامل اجتماعية وسياسية وعقلية . أما العوامل الاجتماعية فتنطلق مـن الفراغ الداخلي الذي أحدثه الأمويون في نفـوس الناس ،
ــــــــــــــــــــ
( 68 ) شوقي ضيف ، سلسله تاريخ الأدب العربي - العصر الإسلامي ، دار المعارف ، القاهرة - مصر ، ص 296 ، ط 20 ، 2002 م
( 69 ) انظر : شوقي ضيف ،  التطور و التجديد في الشعر الأموي  ، دار المعارف ، القاهرة - مصر ، ص 185، ط 8 ، د ت
فمالوا إلى الفراغ . أما العوامل العقلية فتتمثل في نمـو العقل العربي ونمو الجدل والمناظرة في العقائد والتشريع وأحقية الخلافة . وأما العوامل السياسية فتمثل في محاولة الأمويين صرف الناس عن أمور الحكم و إشغال بعضهم ببعض .
وقد كان السبب المباشر في ظهور هذه النقائض أن شاعراً يربوعياً هجا جريراً ، فانقض عليه جرير بالهجاء ، فاستغاث اليربوعي بالبعيث المجاشعي ، فأغاثه فهجا جريراً ، فانصب جرير على مجاشع وأفحش بذكر النساء ، فاستغاثت نساء مجاشع بالفرزدق ، فهجا جريراً .
يقول الفرزدق مفتخرا بشرفه وأصله وعزة بيته :
    إن الذي سمك السماء بنى لنا بيتا ***  دعائمه أعــز وأطــول
    بيتا بناه المليك وما بنــى ***  حكـم السماء فإنه لا ينقل
 فأجابه جريرا قائلاً :
      أخزى الذي سمك السماء مجاشعاً *** و بنى بناءك في الحضيض الأسفل
      إني بنى لي في المكارم أولي ***ونفخت كيرك في الزمان الأول (70 )
ومن المناقضات التي انتشرت في ذلك العصر ما قاله الفرزدق معتداً بعقول قومه الراجحة في أيام السلم وشجاعتهم في أيام الحرب :
        أحلامنا تزن الجبال رزانة      و تخالنا جنا إذا ما نجهـل
وقد نقض جرير ذلك في قصيدة :
       أبلغ بني وقبان أن حلومهم     حفّت فما يزنون حبة خردل ( 71 )
وجرير الذي يقول في الفرزدق و أمه :
       لقد ولدت أم الفرزدق فاجراً ***فجاءت بوزوار قصير القوادم
       و ما كان جار للفرزدق مسلم*** ليأمن قرداً ليله غير نائم
       أتيت حدود الله مذ أنت يافع *** و شبت فما ينهاك شيب اللهازم
       تتبع في الماخور كل مريبة ***و لست بأهل المحصنات الكرائم ( 72 )
وقد كان الفرزدق هجاء مقذعاً يجاهر بما لا يحلّ من النساء فيذكر في هجائه كما حصل معه في المدينة المنورة ما لا يصح أن يصح أن يذكر ، من ذلك  :
ــــــــــــــــــــــ
( 70 ) انظر : شوقي ضيف ،  التطور و التجديد في الشعر الأموي  ، دار المعارف ، القاهرة - مصر ، ص 198، ط 8 ، د ت
( 71 ) المصدر السابق ، ص 209 .
( 72 ) شوقي ضيف ، سلسله تاريخ الأدب العربي - العصر الإسلامي ، دار المعارف ، القاهرة - مصر ، ص 6 24 ، ط 20 ، 2002 م
        هما دلتاني مـن ثمانين قامة ***كما انقض باز أقتم الريش كاسره
فردّ جرير متهكما وساخرا :
      تدليت تزني من ثمانين قامة***وقصرت عن باع العلا والمكارم
ويقال أن الأخطل التغلبي قد حكم للفرزدق بالسبق على جرير بعد أن أغراه بشر بن مروان والي العراق بأن ينحاز إلى الفرزدق بعد أن حكم بالسبق لجرير ، يقول الأخطل :
      اخسأ إليك كليب إن مجاشعاً *** وأبا الفوارس نهشلاً أخوان
      قوم إذا خطرت عليك قرومهم *** جعلوك بين كلاكل و جران
      و إذا وضعت أباك في ميزانهم ***رجحوا و شال أبوك في الميزان
فيرد عليه جرير :
      يا ذا العباية إن بشراً قد قضى ***  ألا تجوز حكومة النشوان ( 73 )
الشكوى :
 كان للشعر دور بارز في إيصال الشكوى إلى الحكام و الولاة ، و كان العامة من الناس يلجؤون إلى الشعراء لرفع شكواهم إلى الحكام ؛ لأنه أسرع في الاستجابة ، فهذا الراعي النجدي يتوجه إلى الخليفة عبد الملك بن مروان منشدا إياه شكواه الشعرية من جباة الضرائب الذين جلدوا قومهم بالسياط لعجزهم عن دفع الضرائب:
 أبْلِغْ أمِيرَ المُؤمِنينَ رِسَالَةً***شَكْوَى إلَيْكَ مُظِلَّة ً وَعَوِيلاَ
إنَّ السُّعَاة َ عَصَوْكَ حِينَ بَعَثْتَهُم***وَأَتَوْا دَوَاعِيَ لَوْ عَلِمْتَ وَغُولاَ
( 74 )
 
و يقول :
إنَّ الَّذِينَ أمَرْتَهُمْ أنْ يَعْدِلُوا***لمْ يفعلوا ممّا أمرتَ فتيلا




ــــــــــــــــــــــــ
( 73 ) انظر : شوقي ضيف ،  التطور و التجديد في الشعر الأموي  ، دار المعارف ، القاهرة - مصر ، ص 168، ط 8 ، د ت .
( 74 ) المصدر السابق ، ص 127 .



الخمريات :
غرض من أغراض الشعر العربي التي كانت معروفة في الجاهلية ، إلا أن الإسلام حرم الخمر والقول فيها ، فامتنع شعراء صدر الإسلام من القول فيها ، و لم يذكروها في أشعارهم وقصائدهم ، إلا أنها ظهرت في العصر الأموي مجدداً ؛ ذلك لضعف الدين ، وانتشار اللهو والترف والمجون لدى بعض الشعراء المسلمين ، أو من أديان أخرى بقيت قائمة في زمن الدولة الأموية .
 كذا من أسباب ظهورها التمازج الاجتماعي من الأعاجم وغيرهم في الدولة الأموية ، و اتساع رقعتها الجغرافية .
ومن شعراء الخمر في هذا العصر الوليد بن يزيد بن عبد الملك ، و الأخطل حيث ذكرها كثيراً و تغنى بها ، ولم يكن عنده رادع إيماني ؛ إذ هو نصراني العقيدة ، فنراه يقول : 
 وكأس مثل عين الديك صرف***تنسي الشاربين لها العقولا
مربع نص: ( 75 )  )إذا شرب الفتى منها ثلاثاً*** بغير الماء حاول أن يطولا
و الجديد في خمريات العصر الأموي هو التخصص ، و شفافية التعبير فيها ، يقول الدكتور شوقي ضيف :
مربع نص: ( 76  )الإنسان لا يجد في الوصف القديم ولا الوصف المعاصر للوليد ما يجده عنده من شفافية التعبير ،وهي شفافية جاءته من أنه عشق الخمر، أو قل عبدها، واتخذها مذهباً له في حياته. ولعل هذا أهم فارق بينه وبين الشعراء القدماء،فقد كانوا ينظمون القصيدة،فيذكرون فيها خمرا وغير خمر،وكذلك كان يصنع الأخطل. أما عند الوليد ،فالقطعة تؤلف للخمر فحسب، فهي ليست وسيلة لشيء بعدها،وإنما هي وسيلة لنفسها أو هي وسيلة وغاية في الوقت نفسه.
و الوليد بن يزيد بن عبد الملك الذي عاش للخمر ، و أرصد حياته كلها له ، يقول :
دعوا لي سليمى مع طلاء وقينة *** وكأسا، ألا حسبي بذلك مال
مربع نص: ( 77 )خذوا ملككم لا ثبّت الله ملككم*** فليس يساوي ماحييت عقالا
و يقول أيضاً :
ـــــــــــ
( 75 ) انظر : شوقي ضيف ،  التطور و التجديد في الشعر الأموي  ، دار المعارف ، القاهرة - مصر ، ص 137 ط 8 ، د ت
( 76 ) المصدر السابق ، ص 303
 ( 77 ) المصدر السابق ،  303

مربع نص: ( 78  )يا أيها السائل عن ديننا *** ديني على دين أبي شاكر
نشربها صرفا وممزوجةً *** بالسخن أحيانا وبالفاتر
و اسمعه و هو يقول :
مربع نص: ( 79)  )علّلاني واسقياني ***من شراب أصفهاني
من شراب الشيخ كسرى *** أو شراب القيروان
إنّ بالكأس لمسكا *** أو بكفّي من سقاني
إنما الكأس ربيع ***يتعاطى بالبنان

شعر الزهد و الورع :
تأثر شعراء العصر الأموي بدعوة القرآن الكريم للزهد في الحياة الدنيا و متاعها الزائل ، و هذا النوع من الشعر  كان انعكاساً طبيعياً للمجون و الترف الذي كان عليه كثير من الناس في هذا الزمان ، كما كان استجابة لدعوة العباد و الزهاد في هذا العصر ، كما نلحظ أن الزهد لا يدعوا  إلى الخمول ، يقول أبو الأسود الدؤلي :
و ما طلب المعيشة بالتمني***وَلَكِنْ أَلْقِ دَلْوَكَ مع الدِّلاَءِ
( 80 )


 
تجئك بملئها يوماً ويوماً***تجئك بحمأة وقليل ماءِ
وَلا تَقعُد عَلى كُلِّ التَمَنّي***تَحيلُ عَلى المَقدَّرِ وَالقَضاءِ


هكذا نلحظ في أشعار هؤلاء الانصراف عن ملذات الدنيا و شهواتها ، و التقرب إلى الله بعمل الصالحات من الأعمال ، و هو ما أضافه الشعر الأموي في هذا المجال .






ــــــــــــــــــ
( 78 ) انظر : شوقي ضيف ،  التطور و التجديد في الشعر الأموي  ، دار المعارف ، القاهرة - مصر ، ص 249، ط 8 ، د ت .
( 79 ) المصدر السابق ، ص 308 .
( 80 ) شوقي ضيف ، سلسله تاريخ الأدب العربي - العصر الإسلامي ، دار المعارف ، القاهرة - مصر ، ص 374 ، ط 20 ، 2002 م.


شعر الرجز :
في عصر بني أمية كمل فن الرجز و نضج ، و الأرجوزة الأموية تعد أول شعر تعليمي ظهر في اللغة العربية ( 81 ) فالرجز إذن طريقة شعرية مختلفة عن طريقة القصيد ، اتخذها مجموعة من الشعراء مركباً لنقل عواطفهم ومشاعرهم تجاه الحياة والمجتمع ، و الرجز كان موجوداً عند شعراء الجاهلية ، غير أنه قصير غير مطول ، ويعد العجاج وابنه رؤبة أول من حوّل شعر الرجز من البيئة الشعبية إلى البيئة المثقفة بحيث أصبح رجزهما يحتج به في اللغة والأدب بعد أن كان هذا الرجز فناً شعبياً يتناوله العامة في مجالسهم وعملهم ، وكان العجاج يعدل أحياناً عن افتتاح بعض أراجيزه بذكر الأطلال ،و وصف الصحراء إلى الحمد و الثناء على الله ، يقول  :
           الحمد لله الذي استقلت *** بإذنه السماء و اطمأنت ( 82 ) 
وقد كان الرجز ينظم ارتجالاً ، ويعد الأغلب العجلي أول من أطاله وجعله كالقصيد ، كما
أن شعراء الأراجيز تناولوا الأغراض الشعرية كالهجاء ، المديح ، الفخر ، و غيرها ، ونهجوا أحياناً نهج القصائد العربية كالوقوف على الأطلال والرحلة إلى الممدوح ، يقول أبو النجم العجلي يصف فهودا لعبد الملك بن مروان في موقعة صيد :
        إنا نزلنا خير منزلات*** بين الحميرات المباركات
       في لحم وحش وحباريات*** وإن أردنا الصيد واللذات
       جاء مطيعا لمطاو عات***عُلّمن أو قد كن عالمات ( 83 ) 
ومن الأراجيز التي كتبت للتندر والدعابة ما قاله أبو النجم العجلي موصيا ابنته عند زواجها واصفاً      الزوجة والحماة في موقف الحشر طالبا منها أن لا تتوانى في الخصام :
      أوصيت من برّة قلبا حرّا*** بالكلب خيراً والحماة شرا
      لا تسأمي ضرباً لها وجرّا***حتى ترى حلو الحياة مرّا
      وإن كستك ذهبـاً ودرّا ***والحي عميّهم بشر ّطرّا ( 84  ) 



ـــــــــــــــــــــــ
( 81 ) انظر : شوقي ضيف ،  التطور و التجديد في الشعر الأموي  ، دار المعارف ، القاهرة - مصر ، ص 319، ط 8 ، د ت .
( 82 ) انظر :شوقي ضيف ، سلسله تاريخ الأدب العربي - العصر الإسلامي ، دار المعارف ، القاهرة - مصر ، ص 400 ، ط 20 ، 2002 م.
( 83 ) انظر : المصدر السابق ، ص 398 .
( 84 ) انظر: المصدر السابق ، ص 399 .
وقد أصبحت الأرجوزة في نهاية المطاف نصاً أدبياً يعتمد عليه النحاة واللغويون في شواهدهم .
شعر الطبيعة :
نظرا لنزوح العرب بين حياة الصحراء وحياة الحضارة الجديدة فقد بقي عالقا في أذهان الشعراء مجال الصحراء وما تحمله من ذكريات بما فيها من خيام ونوق وخيول وحيوانات ونجوم ، وبقي كثير من الشعراء يفضل حياة الصحراء على حياة المدن كما عند الفرزدق عندما يوازن بين طبيعة الصحراء ونهر دجيل ، و ما يجري فيه من سفن ،  فيقول :
     لفلج وصحراواه لو سرت فيهما*** أحب إلينا من دجيل وأفضل
     وراحلة قد عوّدوني ركوبها***وما كنت ركابا لها حين ترحل
     قوائمها أيدي الرجال إذا انتحت***وتَحمل من فيها قعوداً وتُحمل
     إذا ما تلقتها الأواذي شقهـا*** لها جؤجؤ لا يستريح وكلكل
     إذا رفعوا فيها الشراع كأنهــا*** قلوص نعام أو ظليم شمردل ( 85 )
ويعد الشاعر ذو الرمة من أكبر الشعراء الذين عشقوا الصحراء وأيامها وما فيها ورأى ما في الصحراء مسلاة له ، فنراه يقول في وصف حيوان الصحراء الذي شبهه بظبية وابنها ،عاكساً عواطف الإنسان عليهما  :
       إذا استودعت صفصفا أو صريمة*** تنحت ونصت جيدها بالمناظر
      حِذاراً على وسنان يصرعه الكرى ***بكل مقيل عن ضعاف فواتر
      وتهجره إلا اختلاسات نهارها ***وكم من محب رهبة العين هاجر  
      حذار المنايا رهبة أن يفتنها ***  به و هي إلا ذاك أضعف ناصر (86 )
و هذه صورة رائعة ، يصور فيها مدى حب الظبية لابنها ، فهي تبتعد عنه حتى لا تدل السباع عليه ، و عينها مشدودة إليه .





ـــــــــــــــــــــ
( 85 ) انظر :شوقي ضيف ، سلسله تاريخ الأدب العربي - العصر الإسلامي ، دار المعارف ، القاهرة - مصر ، ص 386، ط 20 ، 2002 م.
( 86 ) انظر : المصدر السابق، ص 393 .

الخاتمة :

بعد هذا العرض المبسط ، نخلص إلى أن الشعر في عصري صدر الإسلام  و الأموي قد اعتراه بعض التغيرات ؛ متأثرة بالقيم الإسلامية ، و تعاليم الدين الإسلامي ،  خاصة في عصر صدر الإسلام ، كما أن وجود دولة إسلامية ، و وجود حاكم و ولاة كان له صداه و أثره على الشعر العربي .
فمن ناحية نجد تطوراً في فنون قديمة ، نلاحظ وجود أخرى لم تكن موجودة في العصر الجاهلي ؛ ذلك بسبب الحياة الدينية و العقلية و الاجتماعية التي انغمس فيها شعراء هذين العصرين . 
فالمرء صار يمدح لورعه وتقواه، ويهجى لفجوره ومعاصيه ، و الرثاء اكتسى معان إسلامية ، من غفران الله ورجاء الجنة والرضاء بقضاء الله وقدره ، أما الهجاء فقد انتشر، وأصبح هجوماً لكل البشر،حتى الخلفاء لم يسلموا، وذلك بتأثير العصبيات والأنساب .
















المراجع :
1 - النيسابوري ، محمد بن عبد الله ، المستدرك على الصحيحين ، دار الكتب العلمية ، بيروت – لبنان ، ط 1 ، 1990 .
2 - الحميدي ، محمد بن فتوح ، الجمع بين الصحيحين ، دار ابن حزم ، بيروت – لبنان ، ط 2 ، 2002 م .
3 - أحمد الفاضل ، تاريخ و عصور الأدب العربي ، دار الفكر اللبناني، بيروت – لبنان، ط 1 ، 2003 م .
4 - جورجي زيدان ، تاريخ آداب اللغة العربية ،تعليق الدكتور شوقي ضيف ، دار الهلال ، د ط ، د ت
5 - ديوان النابغة الذبياني ، شرح حمدون طماس ، دار المعرفة ، بيروت – لبنان ، ص ، ط 2 ، 2005 م .
6 - ديوان النجاشي الحارثي ،صنعة و تحقيق صالح البكاري ، الطيب العشاش ، سعد غراب ،مؤسسة المواهب للطبع و النشر ، بيروت – لبنان ، ط1 ، 1999 م .
7- ديوان امرؤ القيس ، شرح عبد الرحمن المصطاوي ،  دار المعرفة ، بيروت – لبنان ط 2 ، 2004 م .
8 - ديوان حسان بن ثابت ، شرح مهنا، دار الكتب العلمية،بيروت – لبنان ، ط 2، 1994 م.
9 - ديوان الحطيئة ، اعتنى به و شرحه : حمدو طماس ،دار المعرفة ، بيروت – لبنان ، ص 85 ، 86 ، ط 2 ، 2005 م .
10 - ديوان زهير بن أبي سلمى ، شرح و تعليق :علي حسن فاعور ،دار الكتب العلمية ، بيروت – لبنان ، ص 105، ط 1 ، 1988 م .
11 - ديوان عبد الله بن رواحة ودراسة في سيرته وشعره ، تحقيق وليد قصاب ، دار العلوم للطباعة والنشر ، ص 36 ، ط 1 ، 1982 م .
12 - ديوان كعب بن زهير، شرح و دراسة د . مفيد قميحة ، دار الشواف للطباعة و النشر ، الرياض ، السعودية   ، ط 1 ، 1989 م .
13 - شعر الخوارج ، جمع و تقديم : إحسان عباس ، دار الثقافة ، بيروت – لبنان ، ط 2 ، 1974 م .
14- شوقي ضيف ،  التطور و التجديد في الشعر الأموي  ، دار المعارف ، القاهرة - مصر ، ط 8 ، د ت

15- شوقي ضيف، سلسله تاريخ الأدب العربي - العصر الجاهلي ، دار المعارف ، القاهرة - مصر ، ط 24 ، 2003 م .

16-  شوقي ضيف ، سلسله تاريخ الأدب العربي - العصر الإسلامي ، دار المعارف ، القاهرة - مصر ، ط 20 ، 2002 م .
17 - محمد نافع المصطفى ، الموازنة بين شعر الخوارج ، و شعر الشيعة ، دار المصطفى ، د ط ، 2001 م .
18 - محمود علي قراعة ، أدب العرب في الشعر الجاهلي ، مطبعة وادي الملوك – مصر .

19- هاشم صالح مناع ، روائع من الأدب العربي ، العصر : الجاهلي ، الإسلامي ، الأموي ، العباسي ، دار و مكتبة الهلال ، بيروت – لبنان ، ط2 ، 1991 م .

20 - واضح الصمد ، أدب صدر الإسلام ، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر و التوزيع ،بيروت – لبنان ، ص 99 ، ط 1 ، 1994م .








الفهرس
-الغلاف.                                                                                      1
- المقدمة                                                                                       2
- التمهيد                                                                                      4
-الباب الأول:
التطور والتجديد في شعر صدر الإسلام                                                                    7-
-الفصل الأول:-أثر الإسلام على الشعر والشعراء                                           9
- الفصل الثاني:
التطور والتجديد في شعر صدر الإسلام من حيث الشكل والمضمون                         11
  أ-التطور والتجديد في مضمون القصيدة القديمة.                                            11   
14 ب-التطور والتجديد في شكل القصيدة القديمة                                         
           
الفصل الثالث: الأغراض الشعرية الجديدة                                                      19
الباب الثاني :التطور والتجديد في شعر عصر بني أمية.                                     23          
الفصل الأول : التجديد و التغيير الذي طرأ على شكل القصيدة في هذا العصر            24                        
الفصل الثاني:
الأغراض المبتكرة والتي توسع فيها شعراء الأمويون بحيث أصبحت أغراضاً جديدة.          30
الخاتمة                                                                                       41
المراجع                                                                                       44